في إطار الجلسات الحوارية التي يعقدها حراك خوى بون ، بين حين وآخر و بحضور و دعوة شخصيات أصحاب مؤهلات علمية وسياسية ومن مشارب سياسية مختلفة وأخرى مستقلة وأكاديمية ، بهدف البحث والحوار حول قضايا فكرية، وسياسية و مفاهيم تمس مصالح ومستقبل الشعب الكوردي في كوردستان الغربية وعلى المستويين الوطني السوري والقومي الكوردستاني و التحاور حولها وإعادة تقييمها ، لتصويبها وصياغتها من جديد ، لتجاوز الجوانب السلبية وحل الجوانب الإشكالية والتركيز على الأسس المحورية والمفصلية والتي تمس مصالح ومستقبل شعبنا دون الإفراط بها نتيجة الصراعات والمناكفات السياسية ، إن كانت على المستوى الوطني أو القومي.
من جانب آخر تستهدف هذه الحوارات للكشف عن بعض الجوانب والقضايا التي فرضتها حالة التقسيم لكوردستان جغرافيةً وشعباً على مدى قرون وبشكل خاص في القرن الأخير ، حيث فُرض علاقات إجتماعية وإقتصادية وثقافية مختلفة على شعبنا حسب الدولة التي تتحكم بهذا الجزء أو ذاك وكذلك تتمايز وجهات النظر السياسية والأيديولوجية، ومصالح النخب السياسية الكوردستانية وفقاً لخصوصية هذه الأجزاء .
إضافةً إلى العمل على إبراز جوانب بناء الشخصية السياسية الكوردستانية المستقلة في هذا الجزء من وطننا من أجل التخلص من ذهنية التبعية السياسية للنخب الكوردستانية في الأجزاء الأخرى و إعادة الثقة بالقدرات والإمكانات المختلفة لأبناء كوردستان الغربية.
وقد قُدِّم عدة نقاط في هذه الجلسة كمبادىء أساسية توافقية، والتي إذا ما رُعيَتْ، ستُلبي جزء مهم من وحدة الموقف السياسي للحركة السياسية الكوردية في كوردستان الغربية :
- وحدة الموقف في وجه أي إعتداء أو تهديد يمس الشعب الكوردي أو أي جزء من كوردستان مهما كانت الإختلافات الداخلية.
- قبول الآخر والبحث عن المشتركات.
- رغم أهمية العمق الكوردستاني يبقى من الضروري العمل على استقلالية القرار السياسي الكوردي في كوردستان الغربية.
- الكف عن الدعاية المغرضة والتي تضعف الحس القومي لدى أبناء شعبنا .
حيث دُعيَ إلى الجلسة الحوارية كل من السادة: محمد حسين – إعلامي، نايف جبيرو – باحث وكاتب، الدكتور سليمان ألياس – رئيس مركز الفرات للدراسات، الدكتور فاضل محمد – دكتور في القانون، والأستاذ بنكين وليكا، كما شارك في الجلسة عبدالباقي يوسف – رئيس حراك خوى بون، وعبدالكريم عتي وهيبت معمو – من الهيئة العليا لحراك خوى بون.
بعد الترحيب بالحضور والتعارف بدأت الجلسة، وقد وصف معظم المشاركين في الجلسة من خلال مداخلاتهم هذه النقاط بالمهمة واعتبروها بمثابة خطوط حمراء للحركة الوطنية الكوردية يتطلب التقيد بها ، لكونها جزء من إطار شامل لجملة المبادئ التي تحدد مهام ونضال الحركة الكوردية ، في هذه المرحلة التي يتوقف عليها مستقبل قضيتنا العادلة . - بدأ الكاتب والباحث “نايف جبيرو ” بالحديث قائلاً: إنه يتوجب على أحزاب الحركة الكوردية وضع خطوط حمراء لنضالها وهذه النقاط يعتبر من صلب المحرمات، ويجب الإبتعاد عن التخوين، والتشهير الإعلامي المفبرك، وأضاف جبيرو أن أهم الحلول لهذه الظواهر السلبية ، المنتشرة ضمن الحركة الكوردية هو العمل على زيادة الوعي وزيادة التثقيف وقبول الآخر، وهذه الحلول ممكنة في حال تغيير الثقافة الحزبية المتعصبة، والعمل على نشرها ضمن المجتمع حتى تصبح ثقافة عامة ينتهجها المجتمع الكوردي ككل.
ونوه جبيرو إلى أن وحدة الموقف الكوردي ليست عبر إصدار بيان مشترك، إنما يتوجب زرع وحدة الشعور القومي والإحساس والإنتماء لدى الشعب في كوردستان الغربية، والإبتعاد عن سياسة التخوين، وأشار إلى أن ما يعيق زرع هذا الشعور هو اختلاف الايديولوجية الحزبية التي تطغي على نشاط معظم أحزابنا السياسية. - من جانبه أكد محمد حسين الناشط والصحفي الكوردي على أنه لا يوجد في مفهوم الأحزاب الكوردية في كوردستان الغربية شيء إسمه الأمن القومي الكوردي، وإن هذه المبادئ و المحاوِر ، تشكل جزء من الأمن القومي الكوردي وأضاف: إن الطرفين المتصارعين واللذين يمثلان كل منهما مجموعة من الأحزاب الكوردية “المجلس الوطني الكوردي وحزب الإتحاد الديمقراطي مع أحزاب الوحدة الوطنية” يعملان على تحقيق مكاسب ومصالح حزبية متناسيين شيء اسمه القضية الكوردية أو الأمن القومي الكوردي.وان التبعية للأحزاب الكوردستانية أضرت بقضيتنا، صراعنا ليست مع تركيا أو العراق.
وأضاف حسين أنه يتوجب على المستقلين والمثقفين الكورد التدخل و المطالبة بحقوق الكورد في كوردستان الغربية والحوار مع حكومة دمشق كون حل مشكلتنا تكمن هناك وليس في تركيا وغيرها من الدول، كما أنه يتوجب أن تكون إدارة مناطقنا عبر شخصيات من كوردستان الغربية وليس من كورد العراق أو كورد تركيا كما هو حاصل الآن. - من جانبه نوَّه الأستاذ عبدالباقي يوسف إن حراك خوى بون ، ليس في واد لرسم خطوط حُمُر للأحزاب وللحركة الوطنية الكوردية في كوردستان الغربية ، إنما يعمل وبمساعدة المثقفين والأكادميين من خلال الجلسات الحوارية هذه ، لبلورة رؤى إستراتيجية وثقافة وطنية وقومية ، تهم شعبنا وقضيتنا ومن خلال النقاش والحوار ، يَبرُز الخطوط الحُمر لدى شعبنا ، عندها يصعب على الأحزاب السياسية تجاوزها في صراعاتهم من أجل مكاسب حزبية ضيقة و عقلية أيديولوجية متزمتة.
وهنا وقف عند التمثيلية الهزلية التي قامت بها حكومة آردوغان من خلال التفجير المُدبَر في شارع الإستقلال بمدينة إستانبول وحاول تلبيسها لقوات سوريا الديمقراطية، ورغم تشكك أحزاب المعارضة التركية والعديد من الصحف التركية بالحادث واعتبر معظمها أنها ألعوبة من الحكومة وتدخل في إطار الحملة الإنتخابية للرئيس آردوغان للبقاء على سدة الرئاسة، لكن ما تلاه وما شاهدناه ، إن جميع تلك الأحزاب والصحف وقفت في خندق واحد مع الحكومة التركية في تهديدها بإجتياح كوردستان الغربية. بينما وعلى الجبهة الأخرى الكوردية كانت الصورة مغايرة رغم ما تعرض له غرب كوردستان من هجمات للطائرات الحربية التركية، وطائرات درون محدثة الدمار في العديد من المنشآت الإقتصادية والحيوية، وإزهاق أرواح العشرات من أبناء شعبنا، كانت مواقف القوى السياسية الكوردية متباينة من الهجوم التركي لأرضها وشعبها، وهذا ما أظهرته البيانات السياسية والتي جاءت بعضها لرفع العتب فقط.
وأعاد يوسف ذلك إلى تدني ثقافة الوعي بالذات القومية وطغيان ثقافة التحزب، وعقلية التبعية للأجزاء الأخرى من كوردستان، وجلب صراعاتهم إلى الداخل، متجاهلين الظروف السياسية، والإجتماعية، والإقتصادية المتباينة التي يعيشها شعبنا في الأجزاء المختلفة من كوردستان نتيجة التقسيم البغيض لوطنهم أعقاب الحرب العالمية الأولى.
واضاف الأستاذ عبد الباقي أن الثقافة القومية والفكر القومي مازال يتخلله جوانب من الضعف وتعود إلى الثقافة الحزبية، وإن كوردستان ومنذ عدة قرون لم تشاهد بناء الدولة، والتي بدورها ترسم السياسة والثقافة الوطنية وهي التي تبلور ثقافة الأمن الوطني والخطوط الحمر لدى أبناءها.
بعد تقسيم كوردستان في بدايات القرن الماضي والإتفاقيات التي تلت الحرب العالمية الأولى، عملت الدول التي تقتسم كوردستان على طمث هوية وثقافة الشعب الكوردي في دولها، مما أثر أيضا بشكل سلبي على الفكر القومي الكوردي. وإن الحركة الكوردية في سوريا ومنذ نشأتها لم تأخذ هذه الأمور بعين الإعتبار و لم تدرس كيفية معالجتها وتفادي تداعياتها السلبية. وأشار إن حراك خوى بون يعمل على تنمية جوانب فكرية وسياسية من شأنها تعزيز ثقافة الوعي بالذات، وإستقلالية القرار السياسي، واحترام الرأي الآخر، والإبتعاد عن تخوين المختلف ، وفبركة الإتهامات والتشهير بالآخر المختلف سياسياً.
وحول الموضوع الذي أثير حول ضرورة توجه الحركة الوطنية الكوردية إلى دمشق للحوار مع النظام وإن الحلول ستكون هناك، قال يوسف إن النظام في دمشق ليس بمقدوره إيجاد الحلول اللازمة للأزمة السياسية التي تضرب البلد منذ أكثر من عقد من الزمن، ومن ضمنها القضية الكوردية، وإن أي تسوية سياسية اليوم بات بيد القوى الدولية، وبشكل بسيط حل القضية عند القوى الدولية المعنية بالملف السوري، والتحاور مع النظام من حيث الشكل و لإكتساب الشرعية. - من جهته قال الدكتور فاضل محمد إن ما نناقشه اليوم هو خُطوط حُمر، وجاءت متأخرة جداً ، كان على الحركة الوطنية الكوردية أن تناقشه قبل عقود من الآن، وإن مناقشتها متأخراً أفضل من أن لا تُناقش ، جميع الأحزاب السياسية في دول العالم لديها اختلافات ووجهات نظر مختلفة تماماً، قد تتفق في بعض النقاط لكن لكل منها اتجاهها الفكري والسياسي الخاص بها، هناك أحزاب قومية وهناك أحزاب كوردية ذو توجه أممي، وديني من الصعب توحيدها، ما تحتاجه الحركة الكوردية هو الإتفاق على مبادىء أساسية مبادىء فوق حزبوية ، او كعهد قومي، وبمثابة خطوط حمر والتجنب من تجاوزها. الأحزاب الكوردية في كوردستان الغربية جميعها تطرح وتعمل على حل القضية الكوردية في سوريا وتختلف، لايكفي أن تطالب بالإعتراف الدستوري بحقوق الشعب الكوردي لكن لم يبيّن أي منها ما هي القضية الكوردية في سوريا وما هو حقوق الكورد ، والحلول ( لا مركزية سياسية، حكم ذاتي، دولة فدرالية، إستقلال كامل ) وما الآليات التي يتوجب العمل عليها من أجل كسب هذه الحقوق( نضال سياسي ودوبلوماسي، كفاح مسلح، ……)، وهذا بحد ذاته مواضيع إشكالية تجلب الخلاف بين الأحزاب.
وأشار الدكتور فاضل إلى تناقض جوهري ما بين الموضوع الأول، والثالث، بين الدعوة إلى تضامن كوردستاني، وإستقلالية القرار السياسي، وأعاد السبب بأن كل جزء من كوردستان لديه خصوصيته وعلاقاته المصلحية مع الدول التي تتقاسم كوردستان بسبب واقع التقسيم، ما يعني أنه على الرغم من وجود ما يسمى بالعمق الكوردستاني، إلا أنه يوجد خصوصية تتناسب مع المصالح الإقتصادية والسياسية لهذا الجزء أو ذاك، حتى إذا كانت مع تركيا أو إيران اللتان تعتبران من أعداء الكورد، هنا على الحركة الوطنية الكوردية في كل جزء أن تركز على وضعها وتبني قرارها المستقل. - ومن جهة أخرى انتقد الأستاذ بنكين وليكا شخصية المواطن الكوردي في غرب كوردستان واعتبرها كشخص مصاب بالإنفصام نظراً لتعدد الشعارات التي يدعوا بها في نفس السياق، أما بالنسبة للأمن القومي الكوردي أكد وليكا على أنه يتوجب على الأحزاب الكوردية التخلص أولاً من تبعيتها المناطقية والإقليمية، والتحرر والتخلص من القيام بالأدوار الوظيفية، وقال أن نشوء المجلس الوطني كان الهدف منه (كونترول) السيطرة على الشارع الكوردي، وإقتياده من قبل دول إقليمية. إن المطالبة والدعوة بما يسمى الأمن القومي يتوجب إنشاء مرجعية ثقافية وتشريعية للحركة الكوردية، وبدورها تحدد النقاط والخطوط الحمر التي يتوجب على الحركات والأحزاب الكوردية الإلتزام بها، وان إنتزاع الحقوق كاملة ليس سهلة بل تنتزع بالتدرج، ومن الضروري مساندة أي حق مهما كان بسيطاً والبناء عليه. وأكد أن قرارات الأحزاب الكوردية في كوردستان الغربية غير مستقلة وأورد أمثلة حية على ذلك، كدور إقليم كوردستان في الضغط على المجلس الوطني الكوردي للإنضمام إلى الإئتلاف السوري، وتبعية آخرين لكوردستان الشمالية. وأبدى إمتعاضه من الإعلام الكوردي خاصة الصراع الإعلامي بين حزب العمال الكوردستاني والديمقرطي الكوردستاني.
- أما الدكتور سليمان ألياس بدأ مداخلته بالقول:”الأحزاب لا تبني الدول، بل الشعوب هي من تبني الدول”، فالأحزاب تعمل بموجب أيديولوجيتها وتتصارع، وأن الأحزاب الكوردية عبر دفاعها عن مصالحها ومكتسباتها أضرت كثيراً بالشعب الكوردي وحقوقه.
وأكد ألياس على أن الحقوق تنتزع بالنضال و الكفاح الشعبي، والذي لا يناضل من أجل حقوقه يبقى مجرداً منها إلى الأبد.
وأضاف بأنه يتوجب علينا حل مشاكلنا وخلافاتنا الداخلية قبل أن نتحجج بخلافات باقي أجزاء كوردستان.
وشدد على أن القرار في الشمال السوري بالكامل ليس في يد شعبها، وإنما في يد القوة المحتلة والمتحالفة في المنطقة، كأمريكا، وروسيا، وتركيا، وإيران، كل حسب توزع نفوذه الجغرافي.
واختتم الدكتور ألياس حديثه بأنه يجب على القوى السياسية الكوردية، والأحزاب السياسية و جميع الأطراف الإتفاق على صيغة ومطلب موحد في سوريا، سواء كان حكم مركزي، أو حكم ذاتي، أو فدرالي،ومن ثم التفرغ للخلافات الداخلية والشخصية فيما بينها.