قهرمان مرعان آغا

لم يعد الإرهاب الذي يمارسه الدكتاتوريات والدول الشريرة ، المارقة ، باسم السيادة والشرعية الدولية في مواجهة شعوبها أو في غزو واحتلال دول أخرى ، يندرج في خانة الأمن القومي ، لما هو خارج النطاق المكاني والحدود السياسية الحالية لها ، بمفهومه السابق خلال القرن الماضي، بعد الإجتياح الروسي لأراضي أوكرانيا في شباط/2022 ولم يعد فتح صندوق الذرائع لإبراز صكوك التبريرات تفيد حسابات المساومة معها ، بعد أن توحَّد العالم في مواجهة بوتين / روسيا و بعد أنْ أصبح التهديد يمس قلب دول البلطيق وإسكندنافيا والحدود المفتوحة لأوروبا الموحَّدة.

لهذا أضحى تآمر مافيات مسار(آستانا) دون نفع  ودون جدوى ، لإنعاش نظام الأسد ، من خلال الوصاية الروسية والدعم الإيراني والمساومة التركية على القضية السورية واستعداد تركيا لتقديم عروض الإغراء لنظام آيل للسقوط ، يعاني من أزمة إقتصادية خانقة وعقوبات دولية رادعة ، من خلال المبادلة بالجملة مع الروس والنظام وعلى أوسع نطاق و اتباع سياسة الحدود المفتوحة بما يشمل المناطق المحتلة منذ /2018 في عفرين وسري كانيه وكري سبي أو في إدلب وريف حلب الشمالي والغربي والدفع بإتباع سياسة التضحية  بالمعارضة السياسية التي تأتمر بأوامرها وإعادة تجنيد المعارضة المسلحة المرتزقة لديها ضمن أجندات وشروط التطبيع مع النظام مع فرض الحصار الخارجي وخنق تطلعات الثوار المنتفضين على الأرض ، الرافضين للمصالحة مع نظام مجرم فاقد لأدنى درجات الشرعية الأخلاقية والوطنية ، من خلال إجراءات الجدران الكونكريتية العازلة ومنع الإقتراب من الحدود التي رسمتها إتفاق أضنه المخزي لعام /1998أو تلك التي ستحددها اللقاءات والوضع المستجد بين حكومة حزب العدالة والتنمية ونظام الأسد الوريث.

الدولة العميقة في تركيا رصدت لحساب الرئيس الحالي أردوغان من خلال تحالفه مع الحركة القومية الفاشية ، هامش ضيق من المناورة مع المعارضة الداخلية وهم على أعتاب الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية في يونيو/حزيران2023 ،( إن لم يجري تقديمها كخطوة هروب نحو الأمام ) ولم يعد حظوظه بين الشرائح المجتمعية المحافظة ذات ضمانة كما السابق و تقلَّصت خياراته أمام جملة المتناقضات التي مارس اللعب بها خلال فترته الرئاسية واسعة الصلاحية (النظام الرئاسي) ، حيث أدار ظهره للإصلاحات الداخلية في ظل أزمة اقتصادية وتدني القدرة الشرائية وتقليص الخدمات وتضييق الحريات العامة واستمر في محاربة الشعب الكوردي وتطلعاته القومية العادلة في عموم كوردستان وتاه في سياساته الخارجية سواء ، بين إسرائيل وغزة – اليونان وقبرص – أذربيجان وأرمينيا – قطر و دول الخليج – مصر والسودان – ليبيا وتونس ، ويأتي في قمة هذه التناقضات ، استثماره الغزو الروسي لأوكرانيا و اللعب في المنطقة المحايدة من التوازنات الدولية ، كون تركيا عضوة في حلف الأطلسي وحليف موثوق لبوتين/روسيا في الوقت ذاته وما يجري الآن في سعيه وتوسله للمصالحة مع نظام الأسد بوصاية روسيه/حميميه ، يُعتبر أشدُّ وطأةً لمرتزقته من ميليشيا الجيش الوطني السوري وحليفه الائتلاف السوري لقوى المعارضة.

تركيا تعتاش على الصراعات الدولية التي هي جزء منها وتجيد الإستثمار السياسي العابر والغير مستدام في التناقضات الدولية على حساب أوضاعها الداخلية المأزومة وانقسام المجتمع التركي منذ انقلاب العسكر في/2016  ناهيك عن تعميق فجوة الصراع مع شعب كوردستان و تتمظهر بدور الدائن الفائز في معظم تدخلاتها، إلا إن الحقيقة غير ذلك، فهي تقوم الآن بفعل المَدين الذي يراجع حساب خساراته المتراكمة في العقد الأخير ، التي أنفقتها على صناعاته العسكرية في ظل منافسة عالمية ، على حساب قطاعات التنمية الحقيقية ، حيث التضخم والكساد الإقتصادي العام  وانخفاض قيمة العملة المستمر وانعكاساتها المباشرة فيما يتعلق بحياة الناس المعيشية وفق مؤشرات الهجرة والبطالة، بمختلف طبقاتهم الإجتماعية و توزعهم السكاني.

 لم يخفي الرئيس التركي ربط توجهاته ومواقفه من معظم الأحداث ، بدور استخبارات بلاده (الميت- السيئ الصيت) في تحديد خياراته السياسية، داخلياً وخارجياً، حيث أسقط هو بنفسه لبوس القيم الدينية و مظاهر قدسية الحق والعدالة ، التي حددت مسارات فوز حزبه خلال عشرين عاماً ولم يعد ادعاءات تمثيل (التَّقية) في الداخل بذات الجذوة الدينية التقليدية ، ناهيك عن الخارج ، و أرجع تركيا الى عوامل وجودها التاريخية الأتاتوركية  قبل مئة عام ، (اتفاق لوزان 1923 الإستعمارية) ، باعتبارها دولةً عنصرية قائمة على إشكالية متعددةِ الأوجه في البنية والنشوء، من حيث الجغرافيا والسكان واللغة ، حيث ألحقت بها الجزء الأكبر من جغرافيا كوردستان ، و ما الدعوات التي يطلقها الرئيس أردوغان بمراجعة (اتفاق لوزان/1923) ليست سوى تبريرات لأهداف إستعمارية توسعية ، من المفروض أن تُجابَه  من المجتمع الدولي الحُر ، بأحياء (اتفاقية سيفر/ 1920الأممية – عصبة الأمم) ومنح الشعب الكوردي في عموم كوردستان خياراته في الحرية وشكل العلاقة مع الدول الناشئة بفعل الإستعمار الغربي (تركيا، إيران ، سوريا ، العراق) التي تشكلت بحدودها الحالية عقب الحرب العالمية الأولى.

التكتل الحاكم وتحالف المعارضة:

يشبه تكتل حزب العدالة والتنمية مع الحركة القومية بقيادة /أردوغان في تركيا الى حد قريب تكتل الليكود مع الأحزاب الدينية في الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة /نتنياهو، وهو تحالف قائم على العنصرية القومية الكامنة في بنية تشكيل الدولة، برافعة من النزعة الدينية ، وهنا يبرز إشكالية وجود الدولة الحديثة ذاتها من عدمها.

كما أنَّ تحالف أحزاب المعارضة الستة وبرنامج عملهم المعلن من /240 صفحة ، يؤكد على الإلتزام بنهج (أتاتورك) ولم يتضمن ما يمسّْ القضية الكوردية من بعيد أو قريب و ما يشاع إعلامياً من  طرح بعض أحزاب المعارضة (الطاولة السداسية) في دعاياتها الإنتخابية و كذلك الحزب الحاكم ، حول مسألة الإعتراف باللغة الكوردية دستورياً ، ليس له أفق مُرتجى ، على اعتبار إن تلك الأحزاب جزء من تحالف عام والبرلمان بكل تأكيد سيضم معارضة في حال فوز أحد الطرفين ، فالأمر لا يعدوا أكثر من دعاية إنتخابية ، لهذا فإن الأوساط المتدينة في كوردستان ستُذهب أصواتها الإنتخابية لصالح الطرفين مع ترجيح كفة حزب العدالة والتنمية ، في حين إن تحالف حزب الشعوب الديمقراطية / h.d.p مع اليسار التركي ، الذين يسبًّحون في مناخات المشاعية وبيئات الإيكولوجيا وأخوة الشعوب ، بعيداً عن التديُّن الظاهري وفق العرف العام السائد والقيم المحافظة ضمن الفئات الإجتماعية المختلفة، سيُحرَمون من الأصوات المفترضة من الشعبين الكوردي والتركي على السواء، في الوسط الإجتماعي ذاته ، لهذا فإن التوجس من فوز تشكيلة المعارضة بالنسبة لقضية الشعب الكوردي سيزداد ، كونها غير متجانسة واحتمالات الخلاف و الإنفكاك قائمة ، فهو مجرد تحالف كيدي ، منافس في مواجهة الحزب الحاكم ورئيسه أردوغان، حسب برنامجهم السياسي الذي يُركِّز على وقف السياسات والتدابير التي اتبعها أردوغان لإبراز صورته خلال أعوام الألفية الثالثة التي حكم فيها ومحاولاته التملص من البقاء في ظل صورة (الأتاتورك -العلماني) في مسعى شخصي منه، أن يكون هو قبيله (الأتاتورك -المؤمن) وكذلك إلغاء  السياسات التي اتخذتها الحكومة الحالية ، بما فيها المشاريع الإقتصادية ، على سبيل المثال، وقف العمل  بـ (قناة استانبول) وإلغاء المراسيم الرئاسية ، لهذا فإن احتمالات تغيير الموقف من القضايا الكبرى ، الذي يعالج جوهر الصراع مع شعب كوردستان لن يتخطى مرحلة حزب العدالة والتنمية في الحكم و الإدارة ، إنْ لم يحدث متغيرات جيوسياسية على مستوى الشرق الأوسط.

كما يأتي الموقف الأمريكي والأوروبي المستتر، من العلاقة مع تركيا / أردوغان ، بانتظار ما ستفضي إليه نتائج الإنتخابات ، فليس من المستبعد أن تتغير شكل العلاقة التي كانت توصف في وقت ما بالإستراتيجية مع تركيا ، بسبب سياسات الرئيس الحالي في حال فوزه ، لذلك فإنًّ انتظار فوز المعارضة بالنسبة للغرب عموماً، يتوقف عليه بحث الكثير من الملفات العالقة وتصحيح العلاقة ، بما فيها التزامات تركيا تجاه حلف (الناتو) في ظل فقدان الثقة بين الطرفين لأكثر من عقدين من الزمن والتي أصبحت واضحة ولا تحتاج الى تلسكوب أو مجهر وهي في طور المراجعة الحقيقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وستبقى رهن الاحداث التي ستنجم عنها نتائج الحرب.

 موقف أولياء الدم في الثورة السورية من التقارب الجاري :

السوريون ينظرون بأشد حالات الدهشة والعجب والإستغراب إلى تخاذل تركيا حيال مأساتهم والتطبيع مع نظام الأسد، منها إلى حالات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، رغم احتلال الجولان ولا يعدوا المقارنة بين ذلك شيء ذا قيمة، سوى التماثل في مصطلح (التطبيع). فسوابق حكومة العدالة والتنمية مع حلفائها من القوى والتيارات الإسلامية المعارضة واللاجئة إليها من مختلف الدول، أُسقط عنها الجانب الوجداني الذي يتحلى به العرف العام في المجتمعات الإسلامية على مَر العصور.

على فرض فوز المعارضة التي تعمل على عودة العلاقات مع نظام الأسد ، فلن تذهب بعيداً عن سياسات أمريكا والإتحاد الأوروبي في المنطقة وستعمل على تعزيز وجودها في (الناتو) والتحفظ على سياسات أردوغان وعلاقاته المشبوهة مع بوتين ، الَذينْ يتمظهران في سلوكهما بالقبضايات ويمارسان فعل العصابات بالإعتماد على الميليشيات الإرهابية كقوات رديفة تتقدم جيوش بلدانهم في معظم  تدخلاتهما ، وهذا ما حصل بالفعل على الأرض منذ التدخل الروسي /2015 في سوريا ويفضلان العلاقة الشخصية القائمة على التهديد والغزو والهيمنة ، بدل العلاقات الدولية والإقليمية الطبيعية الساعية للسلم العالمي.

لذلك فإن حزمة العروض التركية لنظام الأسد تتضمن في شقها الإقتصادي، المساعدة في الإلتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليه، وفتح الحدود والمعابر وهي في مقابل هذا تؤدي فرضين، إنعاش إقتصادها بما فيه تصدير الممنوعات وسد جوع مناطق النظام لتخفيف رد فعل الموالين، فلتركيا تجارب سابقة لمساعدة إيران وروسيا، بالتهرب من العقوبات والحصار، لهذا فإن مافيات (آستانا) حسب معيار التقارب الجاري ومعدلات التنسيق على الأرض، سيرفعون من درجة تمثيل النظام في جولاتهم المشبوهة الى الصدارة ، فيما سيختفي تمثيل المعارضة الشكلي من المشهد . وبالنسبة لمناطق شرق الفرات حيث النفوذ الأمريكي وقسد وتواجد النظام، لا مؤشرات على تخلي أمريكا أو تقليص نفوذها، بل على العكس هناك تعزيز لتواجدها العسكري مادام الغزو الروسي لأوكرانيا مستمر ، مع بوادر مشروع لإستراتيجية غير معلنة ، يدعم مشاركة المكونات العرقية والدينية في  المنطقة ، بما يتلاءم مع اعتماد اللامركزية في إدارة البلاد.

كما هو متوقع سينقسم معظم القوى العسكرية والسياسية وسيستمر المرتزقة المأجورين وفق سياسة حزب العدالة والتنمية وخاصة المتواجدين على الأراضي التركية وفي مناطق نفوذ الإحتلال التركي ، حيث سيختلف الموقف بالنسبة لتلك القوى في محافظة إدلب وريف حلب واللاذقية ، بالإستمرار في عدم التصالح والتطبيع مع نظام كبتاكوني ، كيماوي ، منغمس كلياً مع جوقة (آستانا)المتآمرين في الدم السوري ، حيث جاء الرد والتعبيرالإسمى سريعاً في هذه الفترة من التظاهرات والشعارات ، من خلال إحياء مجد الثورة السلمية في الحرية والكرامة والثبات على الموقف من إسقاط النظام ، وفاءً لروح الشهداء ، فمهما طال الأمد ، لا بُدَّ للقرارات الدولية أن تأخذ طريقها للتنفيذ ولا بُدَّ للعدالة الإنتقالية أن تمرَّ بهدوء وسكينة وسلام من خلال تخاصم أولياء الدم.

في 5 شباط / فبراير2023