في مثل هذا اليوم قبل 34 عاماً، توقف قلب البلبل الحزين محمد شيخو في مدينة قامشلو وبمشاركة ضخمة من محبيه، دُفن في مقبرة الهلالية.
نبذة عن حياة الفنان الراحل محمد شيخو
اسمه محمد صالح شيخموس أحمد (محمد شيخو)، من الفنانين الكورد الكبار ظهر في السبيعينات من القرن الماضي وعرف بحسه الغنائي الوطني.
ارتبط ارتباطاً وثيقاً بقضايا أمته القومية وغنى على حبيبته كوردستان ووصفها أجمل الأوصاف وكذلك عرف عنه أنه أكثر من عبّر أغانيه عن آلام وعذاب شعبه ونضاله في سبيل قضيته وكفاحه لأجلها ،حيث جاب جميع أجزاء كوردستان وحمل مآسي شعبه على ظهره وغنى أجمل الأغاني واشتهر بين جميع فئات المجتمع الكوردي.

  • ولد في كنف عائلة كوردية وطنية عام 1948 في قرية كرباوي القريبة من مدينة قامشلو، حيث كان منذ نعومة أظفاره محباً للغناء وبرزت تلك الموهبة معه منذ الصغر ، رغم تحفظ المجتمع والنظر الى الغناء والطرب على انه من المحرمات إلا أنه لاقى التشجيع والدعم من أهله وخاصة والده الذي كان يغني معه في ليالي الشتاء الطويلة ويطرب من حوله وهو مازال يانعاً وصغيراً ، كان عمه نجاراً ومحباً للموسيقى والأغاني الكوردية ، حين كان محمد شيخو يعمل آلات العزف من التنك والكالونات البلاستيكية ، بعدها قام عمه بتصنيع آلة طنبورحقيقية له وتأثر بها كثيراً وكانت انعطافة كبرى في مسيرته الفنية .
  • درس المرحلة الإبتدائية في قرية خجوكي ، والإعدادية في القامشلي ، بالإضافة الى تلقيه العلوم الدينية في القرية ، في عام 1965 تعرض لمرض في عينه وأصيب عيناه بالنقص مما أدى الى اعفائه من خدمة العلم في سوريا ، وبسبب صعوبة الحياة وقساوتها بالإضافة الى مرضه ترك الدراسة وعاد الى القرية للعمل بالفلاحة مع أهله ، وبسبب عمل عائلته في الزراعة وفلاحة الأراضي تجول في العديد من القرى في المنطقة ، وفي حله وترحاله تعرف في قرية “خربي كرما” على خليل يزيدي وحسين توفي وحليم حسو حيث رافقهم محمد شيخو الى العديد من الحفلات والأمسيات في ذلك الوقت ، وتلك الليالي صقلت تجربته الغنائية ، وتعلم اللغة الكوردية وقرأ نتاجات كبار الشعراء الكورد وخاصة جكرخوين وحفظها عن ظهر قلب .
  • في عام 1970 ذهب الى بيروت لدراسة الموسيقى ، وفي ذلك العام بدأت مرحلة جديدة في كوردستان العراق ، ولأجل دعم ثورة كوردستان العراق قامت لجنة الفن الكوردي في لبنان بالتعاون مع فنانين أمثال ( محمد شيخو، سعيد يوسف، رفعت داري، عزالدين تمو، محمود عزيز شاكر،شيرين برور و رمضان نجم أومري ) بإحياء العديد من الحفلات والأمسيات الغنائية.
    وفي حفلة صالة سينما ريفولي عام 1972 بحضور رئيس الوزراء اللبناني في ذلك الوقت صائب سلام قدم ولأول مرة محمد شيخو بعض أغانيه، ومن ثم بث راديو لبنان الرسمي بعض أغانيه ومنذ ذلك الوقت أطلق عليه اسم محمد شيخو ، وأصبح عضواً في إتحاد فنانين لبنان ، وتعرف على العديد من الفنانين اللبنانيين الكبار أمثال نصري شمس الدين ، فيروز ، وديع الصافي ، عاصي الرحباني و سميرة توفيق .
    وعند بدء الحرب الأهلية في لبنان عاد الى سوريا واسس فرقة فنية في مدينة الرميلان حيث تدخلت الأجهزة الأمنية ومنعت نشاطاتها .
  • في عام 1972 ذهب الى بغداد لأجل إحياء حفلة فنية وقام بزيارة القسم الكوردي في إذاعة بغداد ، ثم أعاد الزيارة إليها مجدداً عام 1973 و سجل بعض أغانيه في بغداد وبثت إذاعة بغداد (القسم الكوردي)بعض أغانيه .
    بعد زيارته إلى بغداد إشتهر حين ذاك بين أكراد كوردستان العراق ، وقام تلفزيزن كركوك بتقديم برامج عنه وبثت أغانيه ، وفي تلك الفترة عقد صداقات عديدة مع فنانين من كوردستان العراق امثال شمال صائب ، كولبهار ، تحسين طه ، محمد عارف جزيري ، عيسى برواري ، وكذلك العديد من الشعراء والشخصيات المثقفة وغنى من قصائد الشاعر بدرخان سندي ، سكفان عبدالحكيم ، خلف زيباري و مصطفى الاتروشي .
    وفي نفس العام قام بزيارة كوردستان الجنوبية وإلتقى مع قائد الثورة الكوردية الملا مصطفى البارزاني، حيث كرمه البارزاني وقدم له علم كوردستان تقديراً لفنه ووطنيته .
  • في عام 1974 عاد الى سوريا وسجل أولى نتاجاته الفنية في دمشق بإسم “كوري، Gewrê” وبسبب مضمون أغانيه الوطنية تعرض للضغط على يد السلطات السورية وبعد ذلك اضطر الى الهرب ومغادرة سوريا والإلتحاق بصفوف البيشمركة على ذرى جبال كوردستان العراق .
  • بعد إتفاقية الجزائر عام 1975 وانكسار الثورة ذهب مع البيشمركة الى كوردستان الشرقية (إيران) وأقام في معسكر ربت وأصبح لاجئاً و شكل فرقة فنية من شباب المعسكر، وزار مدينة مهاباد وسجل فيها إحدى أهم أعماله ( أي فلك، Ey Felek) وكذلك كاسيت ( من مهاباد منبع دماء الشهداء, ji Mihabadê, kaniya xwîna şehîdan) وبسبب مضمون أغانيه السياسية والقومية تدخل السافاك الإيراني و طالبه بالكف عن الغناء ، و نفوه الى مكان بعيد جداً بالقرب من بحر قزيون على حدود أذربيجان، وهناك تعلم اللغة الفارسية ، وقام بتدريس اللغة العربية في إحدى المدارس .
    تعرف على الفتاة التي ستصبح شريكة عمره نسرين حسين ملك إبنة أحد بيشمركة جمهورية مهاباد حيث كان عائلتها أيضاً منفية الى هناك و كانت إحدى طالباته، أحبها وأغرم الى حد العشق وغنى لها أغنيته المشهورة ( نسرين) وتزوجها رغم المعوقات الأمنية التي كانت السلطات الإيرانية تقف حجر عثره أمامه في كل خطواته وأنجب منها أربعة أولاد ( فلك ، إبراهيم ، بروسك وآخر توفي اسمه بيكس) .
    وبتهمة الشيوعية أحيل الى محاكم الحرس الثوري بعد انتصار الثورة الإسلامية ، وبعد صدور العفو في سوريا تنقل بين السفارة السورية في طهران و الدوائر الإيرانية حتى عاد مع اولاده الى مدينته التي أحبها قامشلو .
  • في عام 1983 عاد الى سوريا وأقام في مدينة قامشلو وأسس فرقة موسيقية وقام بإعطاء الدروس الموسيقية وسجل آخر أعماله عام 1986، وفي عام 1987 فتح محل تسجيلات بإسم فلك ومن جديد تدخل السلطات السورية وأغلق محله بالشمع الأحمر نظراً لما يحمل أغانيه ومحتويات محله الطابع القومي ، وفجأة أصيب بمرض أدخل على اثرها المستشفى الوطني بقامشلو وتوفي في التاسع من آذار عام 1989 و بمشاركة شعبية واسعة ولا نظير لها في مدينة قامشلو وعلى صدى آخر آغانيه ( عندما أموت، أيها الأحياء ، لا تدفنوني، مثل الجميع ، كل آذار ، أيقظوني، gava ez mirim, gelî zindiyan, min ne veşêrin wekû hemiya, hemî adara win min şiyarkin )وارى الثرى في مقبرة الهلالية و ترك خلفه المئات من الأغاني الوطنية والقومية .