د.حمزة عيسى

لم تكن القضية الكردية يومًا محصورة في ميادين القتال أو ساحات السياسة، بل كانت، وما زالت، بحاجة ماسّة إلى إعلام وطني حر، موحد، ومهني. فالكلمة، حين تُقال بوعي ومسؤولية، تملك قدرة خارقة على فضح الانتهاك، وكشف أوجه المعاناة، ونقل صوت شعبٍ إلى ضمير العالم، كما تساهم في بناء رأي عام داعم وواعي بقضية من أعدل قضايا العصر.
ورغم تعدد الوسائل والمنصات الإعلامية الناطقة بالكردية والعربية ، فإن دورها في كثير من المحطات الحاسمة لا يرقى إلى مستوى التحديات. غياب التنسيق، وضبابية الخطاب، وضعف الاستقلالية التحريرية، تجعل المشهد الإعلامي الكردي أقل تأثيرًا مما تقتضيه المرحلة، بل وأحيانًا منفصلاً عن الواقع الكردي اليومي، السياسي والإنساني.
وما لم يشهد الإعلام الكردي تحوّلًا نوعيًا في بنيته ووظيفته، بحيث يغدو سلطة تعبّر عن نبض المجتمع الكردي وتطلعاته، فإن القضية ستظل تتعرض لنكستين متتاليتين: نكسة القمع، ونكسة الصمت.
ولا يهمّنا أن تتصدّر أخبار تتحدث عن طالب كردي تفوّق في مدرسة أجنبية، أو فنان كردي أصدر ألبومًا غنائيًا جديدًا. تلك أمور ثانوية في ميزان المرحلة. ما يهمّنا اليوم هو أن يكون الإعلام الكردي في موقع الدفاع عن القضية المركزية لشعبه، أن يُخصص منابره لتوثيق الانتهاكات، وتحليل الأوضاع، وكشف الحملات الممنهجة التي تهدف إلى تقليل شأن النضال الكردي، والتشكيك بعدالته، وتحريف تاريخه.
المؤلم أن الإعلام العربي، بمختلف مشاربه واتجاهاته، يتوحد حين يتعلّق الأمر بالكرد، من المذيع إلى المحلل إلى الضيف “الخبير”، في محاولة منظمة لطمس الحقيقة وتغليف الظلم بمنطق الدولة ومصلحة الأمة. في المقابل، لا يزال الإعلام الكردي يفتقر إلى الحد الأدنى من الخطاب الموحد أو حتى الدفاع الذاتي الإعلامي في وجه هذه الحملات.
إن الكلمة الحرة، حين تصدر عن صوت مستقل ومسؤول، أشد أثرًا من أي منصة دعائية أو سلاح ميداني. فلتكن لنا منصة واحدة، مستقلة، وذات مصداقية عالية، خير لنا من عشرات الوسائل المتفرقة التي تُضعف الصوت وتُشتت الانتباه عن جوهر معركتنا: الحرية، والكرامة، والاعتراف