جوان ديبو
الغالبية العظمى من شعوب الشرق الأوسط ونخبه تؤمن بأن التأخر والجمود والكساد الذي تعاني منه على مختلف الأصعدة، بما في ذلك الإخفاق المدوي في بناء الدولة الحديثة (دولة المؤسسات) هو نتيجة المؤثرات (المؤامرات) الخارجية، وخاصة القادمة من الغرب.
بعبارة أخرى، الأعم الأغلب من هذه الشعوب ونخبها القومية والدينية تؤمن بأن هناك دول عظمى تتبنى مشروع او خطة إفشال ممنهج ومدروس ومبرمج لهذه الدول، وتقف حجر عثرة في وجه استقرارها وتطورها وازدهارها، دون أية التفاتة بحثية ونقدية معمقة لدور ومسؤولية الذات.
بسبب هذا التأويل المتجذر والموغل في القدم، والذي يمنع الخروج عن السائد التقليدي المجتر، عجزت هذه النخب عن فهم الأسباب والعوامل الحقيقية الكامنة وراء هذا التخلف المزمن والمقدس والسير نحو الوراء الذي اصبح مدعاة للفخر والاعتزاز من قبل مروجي ومؤمني نظرية المؤامرة والعيش والخلود في عباءة التاريخ والدين.
إن من يستثني ذاته الفردية والجمعية من النقد والانتقاد والمسؤولية عن الانحطاط والتدهور المتفشي الذي يعاني منه شعبه ودولته، ويضفي على تلك الذات هالة زائفة من القداسة والألوهة لا يمكن أن يتطور قيد أنملة. والعاجز عن التطور سيخلد في مكانه بالمراوحة التي تعني بشكل من الأشكال التطور نحو الوراء. حتى إذا فرضنا جدلاً بأن الآخرين يتدخلون في شؤونك ويعملون في السر والعلن على إضعافك، فهذا بحد ذاته دليل إضافي على الضعف والهشاشة والعجز العقلي والمادي، وإلا لما تجرأ الآخر على التدخل في شؤونك وإهانتك في عقر دارك.
هناك دول أخرى كثيرة غير غربية أحدثت طفرة في التطور وتفوقت حتى على الغرب نفسه في بعض الميادين لأنها أدركت منطق العصر وعرفت دورها وحجمها الحقيقي وركزت على البناء والازدهار فقط بدلاً من الجعجعة والثرثرة الفارغة والعيش في جلباب التاريخ وأمجاده الغابرة الزائفة، وتبنت العلمانية اولاً والديمقراطية ثانياً، وقامت بتحجيم وتحييد دور الدين والمتدينين على أساس فصل الدين عن الدولة الذي يؤدي تدريجياً الى خفوت تأثيره على المجتمع أيضاً.
طريق التطور وبناء الدولة الحديثة واضح ولا غبار عليه، وهناك بدل النموذج الناجح الواحد عشرات النماذج اللامعة التي يمكن الاحتذاء والاقتداء بها. المسألة تتوقف وتعتمد على الرغبة والإرادة والإحساس بالحاجة الى التطور، ومع غياب هذه المقومات والعناصر وطغيان عكوسها، لا يمكن مجرد التفكير بمشروع نهضوي تطوري ينقذنا من الأوحال والمستنقعات التي نغوص ونتمرغ فيها منذ عقود، لا بل منذ قرون.
