جوان ديبو

يقول المفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي “تكمن الأزمة تحديداً في أن القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد. وفي ظلِ هذا الفراغ يظهر قدر هائل من الأعراض المَرَضية”. لكن السياق الذي عناه غرامشي هنا هو إما التغيير السياسي والإجتماعي والثقافي الجذري المباغت أو التغيير الجذري التدريجي المراحلي، وليس اجترار المجتر وإعادة إنتاج أو إعادة تدوير القديم في حلة جديدة. إذا حاولنا فهم ما يجري في سوريا الآن على ضوء نظرية غرامشي في التطور السياسي التاريخي، سنكتشف أن أسباب التخبط والحيرة والضياع السائد في سوريا والتي تجسدت وتتجسد في عديد الإنتهاكات والإنتقامات الفظيعة من قبل الفاتحين الجدد في دمشق ضد المكونات غير السُنية مثل العلويين والدروز وتصاعد الخطاب العنصري ضد الكُرد هو عدم قدرة ورغبة واستعداد الفاتحين الجدد في دمشق في الإستغناء عن الإرث القديم في التسلط والإستبداد والمركزية، هذا الإرث الذي ولد وتراكم واشتد عوده منذ عقود إن لم يكن منذ قرون. وبالتالي إذا لم يحتضر الإرث السياسي والفكري والثقافي القديم أو على الأقل إذا لم يتم العمل على احتضار وطمر الإرث القديم المتوارث المدمر والمهلك فلن نشهد ولادة أي شيء جديد قد يكون بمثابة المنقذ وطوق النجاة الوحيد، ولن نشاهد سوى المزيد من الأعراض المرضية التي ستتفاقم إلى أن تصبح عاهات وأوبئة مستديمة يصعب القضاء عليها أو الشفاء منها.