Beshir Shekhee

تضم قارة أوروبا اليوم ما يقارب خمسين دولة، وعلى مرّ التاريخ حكمتها إمبراطوريات وممالك كبرى تعدّت العشرة. لكل دولة لغتها وتاريخها، لكن جميعها تتشارك الأرض نفسها: أوروبا.

تخيّل للحظة فقط، أن حربًا عالمية جديدة اندلعت مزّقت القارة، واستغلت روسيا الفوضى لتصنع كيانًا صغيرًا في قلب أوروبا. أي دولة هجينة، تجمع فيها بقايا الروس ومرتزقة من قوميات مختلفة، وتمنحهم اسمًا: “دولة أوروبا”.

وبما أن بعض سكانها يعرفون كلمتين بالألمانية وثلاث شتائم بالفرنسية ونصف أغنية بالإنجليزية، اخترعوا لغة هجينة وسمّوها “اللغة الأوروبية الوسطى”. ثم فجأة اكتشفوا أنهم أذكى من جميع المؤرخين! فقالوا للعالم:

“من الآن فصاعدًا، اللغة الألمانية هي الأوروبية الجنوبية، الفرنسية الأوروبية الغربية، والإنجليزية الأوروبية الشرقية!”

المهزلة الحقيقية تبدأ بعد مئة عام: يخرج صعلوك من هذه الدولة الهجينة ويصرخ في وجه فرنسي يتغنى بنابليون:
“اصمت! نابليون ليس فرنسيًا، إنه أوربي خالص من دولتنا!”

ثم يلتفت لآخر ليصرخ:
“شكسبير؟ شاعر من قوميتنا المختلطة، والدليل أننا نحمل اسم دولة أوروبا!”

يصفّق الجاهلون مبهورين، بينما المؤرخون يبتلعون لسانهم قهرًا. ومع الزمن تُمحى أسماء فرنسا وإنكلترا والنمسا من المناهج الدراسية… وتبقى المهزلة مسجَّلة كحقيقة مقدسة لدى الدخلاء.

أليست هذه مسرحية عبثية؟ لكنها بالضبط تشبه قدرنا نحن الكرد مع ما يُسمى اليوم بـ إيران.

إيران الحالية ليست استمرارًا لآريين داريوس، ولا للميديين، ولا للميتانيين، ولا للساسانيين. إنها دولة وُلدت على مائدة الاستعمار بعد تقسيم كردستان، جمعت خليطًا من كل ما تيسر: عرب هنا، تركمان هناك، أذربيجانيون من الشمال، طاجيك من الشرق… ثم ارتدت ثوبًا فضفاضًا وصرخت: “نحن الآريون!”

الحق أن من ينظر إليهم يعرف فورًا أنهم يشبهون كل شيء إلا الآريين: خليط بلا ملامح، فسيفساء مشوهة تحاول إقناع العالم بأنها لوحة فنية.

ولأن نقشًا بهلويًا كُرديًا قديمًا للملك داريوس يقول: “أنا آري بن آري”، قررت الدولة الهجينة أن تضع التاج على رأسها وتقول: “إذن، نحن ملوك العالم القديم!”

لكن أيّ ملوك هؤلاء الذين لا يستطيعون قراءة جملة واحدة بلغة داريوس؟ إنهم مثل لصّ يسرق تاجًا من متحف، يرتديه ويتباهى: انظروا… أنا إمبراطور!”

ومنذ ذلك الحين، كلما ذكر الكرد اسمًا عظيمًا من ملوكهم أو حضارتهم، خرج متسولٌ من هذه الدولة وهو يمضغ كلمات عربية وتركية ويصيح: أنتمة هیچ تمدن ندارین، انتمة جزءو ما هستین، بفهمین! تاج ما دست انتمة نیست!
يعني أنتم ليس لكم أي حضارة، أنتم جزء منا، فافهموا! تاجنا ليس في أيديكم!!!

يا للمهزلة! كمن يسرق بيتك، ثم يأتي متفاخرًا ليقول: “أنت جزء من أثاثي!”

والمضحك المبكي، أن إيران الحالية صدّقت كذبتها حتى الهذيان. أصبحت كمن ينظر في المرآة فيرى متسولًا، لكنه يصرخ للناس:
هذا وجه ملك ميديي عظيم!”

الحقيقة أبسط من كل هذا العبث:
إيران الحالية ليست وريثة الآريين، بل خليط من شعوب تبحث عن هوية، مثل لصّ يبحث عن بطاقة هوية في جيب غيره. لغتهم ليست آرية، بل طبق شعبي من بقايا العربية والتركية والإنجليزية والكردية. ولو وضعت حمضهم النووي في مختبر، لن تجد أكثر من 30% يحملون جينات آريين، بينما الكرد وحدهم ـ حتى في روجهلات فقط ـ يفوقونهم أضعافًا مضاعفة.


الختام:
إيران الحالية مثل متسول يسرق معطف ملك ويصرخ في الأسواق: “انظروا إليّ… أنا الملك!”

مثل لصّ يقتحم متحفًا ليعلن أن التماثيل أجداده.
لكن الحقيقة لا تحتاج برهانا:
الكرد هم الآريون الحقيقيون، أصحاب الإمبراطوريات العظيمة، والتاريخ، والهوية، والدم.

والتاريخ ـ حتى لو شوهته ألف يد ـ لا يُمحى، بل ينتظر لحظة السخرية ليضحك أخيرًا على سارقيه.

تنويه: الصورة المرفقة هي للأزياء الكردية التي حافظت على أزياء حضارات الكرد حتى يومنا هذا.