وليد طاهر
في الحالة السورية الراهنة، تتجلى هذه المقولة بوضوح صارخ، حيث تتعالى أصوات لا همّ لها سوى التشكيك والتخوين والتشويه، خاصة عندما يتعلق الأمر بمن يطالب بحقوقه وكرامته من أبناء هذا الوطن الممزق. هذه الأصوات الحاقدة لا ترى في المطالب العادلة إلا “مشروع فتنة”، ولا تسمع في نداءات الحرية والعدالة سوى “تهديداً للوحدة الوطنية” التي لطالما كانت مجرد شعار فارغ ترفعه أنظمة الاستبداد لقمع المختلف وكمّ الأفواه.
من بين أكثر الفئات التي واجهت هذه الحملة الشعواء، الشعب الكردي في سوريا، الذي لطالما ناضل من أجل الاعتراف بهويته وحقوقه الثقافية والسياسية واللغوية. ورغم عقود من التهميش والإنكار والصهر القسري، لم يتوقف الكرد عن المطالبة بحقوقهم في إطار سوريا ديمقراطية، تعددية، تحترم كل مكوناتها. لكن ما كان الرد؟ حملات تخوين، واتهامات بالانفصال، وتشويه متعمد لكل تجربة سياسية أو إدارية يسعون لبنائها في مناطقهم.
وفي المقابل، تُغضّ الأبصار عن قوى طائفية انفلتت من كل قيد، ومليشيات عابرة للحدود، تعبث في الأرض فساداً. فلا أحد يجرؤ على وصفها بالانفصالية أو الخيانة، لأن منطق الخبث لا يعرف ميزاناً للعدالة، بل يستخدم الكيل بمكيالين، حسب الهوى والمصلحة والولاء.
ما تعيشه سوريا اليوم ليس مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل هو معركة بين من يريد بناء وطن لكل مكوناته، على أساس المواطنة والكرامة والعدالة، وبين من يصرّ على استنساخ أنظمة الإقصاء والقمع تحت عباءة قومية أو دينية أو طائفية.
إن الطريق إلى سوريا جديدة لا يمر عبر إسكات الأصوات الحرة أو تخوين من يطالب بحقوقه، بل عبر الاعتراف بالآخر واحترام تطلعاته المشروعة، لأن كرامة الإنسان لا تتجزأ، وحقوقه لا تُمنح بل تُنتزع.
