وليد طاهر
في عالمٍ يتكئ على الأبعاد الثنائية من القوة والضعف، السلطة والتبعية، المركز والهامش، يظهر “البعد الثالث” بوصفه ذلك الحقل الذي يختفي فيه الصراع الظاهري ليحل محله صراع أكثر عمقًا وتعقيدًا: صراع الوجود والاعتراف. وفي هذا السياق، يمكن تأمل واقع الشعب الكردي في سوريا، ليس فقط كقضية سياسية أو مطلب قومي، بل كمعضلة فلسفية تتعلق بجوهر الإنسان وحقه في أن يُرى ويُسمع ويُعترف به.
الشعب الكردي في سوريا، كجزء من الكينونة الكردية الأوسع، لم يطالب يومًا بأكثر من حقه الطبيعي في الوجود الكريم: الاعتراف بلغته، ثقافته، وخصوصيته، والمشاركة في صنع مستقبل الوطن الذي عاش فيه قرونًا( واذا صح التعبير الشعب الكُردي يعيش أرضه المغتصب) لكن السلطة الحاكمة في دمشق، ومنذ نشوء الدولة السورية الحديثة، تعاملت مع هذا الوجود بوصفه شذوذًا عن “الواحدية القومية”، وتمت ممارسته بمنهجية متقنة من التهميش، الإنكار، ثم لاحقًا، بالمماطلة التي تُفضي إلى الفراغ.
وهنا يتجلى “البعد الثالث” ليس فقط كإقصاء مادي، بل كطمس رمزي: حيث لا يُنفى الكُردي من الأرض، بل يُنفى من المعنى. يتحدث، لكن لا يُسمع؛ يطالب، لكن لا يُستجاب؛ يُرى، لكن كظل لا كشخص. وهكذا تتحول العلاقة بين السلطة والكُردي إلى لعبة وجودية: الكُردي يسعى لأن يكون، والسلطة تسعى لجعله غير مرئي.
إن التهميش المستمر والمماطلة في تحقيق المطالب، من الاعتراف الدستوري بالهوية الكُردية، إلى الحقوق الثقافية والسياسية، لا تعكس فقط سياسة مركزية استبدادية، بل تكشف عن أزمة فلسفية في تصور الدولة نفسها: دولة لا تعترف بالتعدد، ولا تتقبل التغاير، وتُؤَسس على وهم التطابق القومي الواحد.
لذلك، فإن العدالة في القضية الكُردية لا تأتي فقط عبر التفاوض أو الدستور، بل تبدأ من إعادة بناء مفهوم “المواطنة” على أسس الندية والاعتراف المتبادل. على الدولة السورية، إن أرادت النجاة من أزماتها، أن تدرك أن الكُرد ليسوا مشكلة تحتاج إلى “حل”، بل حقيقة تحتاج إلى احتضان.
في النهاية، إدراك البعد الثالث في القضية الكُردية يعني تجاوز منطق القمع والمراوغة، والنظر إلى الكُردي لا كمجرد “مكوّن”، بل كفاعل أصيل في رواية الوطن، يستحق أن يُكتب اسمه بلغته، وأن يُروى صوته من دون خوف أو مواربة.
