وليد طاهر

في عالمٍ تُقاس فيه القيمة بعدد المتابعين لا بعمق الفكرة، أصبح من السهل على أيّ مدّعٍ أن يتحوّل إلى “كاتب سياسي”. يكفيه بضع مصطلحات منمّقة، وقليل من الجرأة على التنبؤ، حتى يُصدّر نفسه للجمهور كصاحب رأي، وهو في الحقيقة لا يملك إلا ضجيج الحروف.

كتاباتهم فوضوية، بلا جذور فكرية، ولا خلفية تحليلية. عباراتهم تتكدس كما تتكدس الأخبار الزائفة: بسرعة، وبدون مراجعة. إنهم لا يسعون للفهم، بل للاستعراض، ولا يخاطبون العقل، بل الغرائز. يستخدمون السياسة كمنصة، لا كمسؤولية فكرية، فيُضلّلون لا يُنيرون.

الخطورة الأكبر لا تكمن في جهلهم، بل في قدرتهم على التأثير. الإعلام يفتح لهم الأبواب لأنهم يُثيرون الجدل، لا لأنهم يُقدّمون شيئًا. منصات التواصل تمنحهم سلطة الوهم، فيُحرّكون الرأي العام بالسطحية، ويُحاصرون العقول بالشعارات. يساهمون في خلق وعي زائف، يُشوّه المفاهيم، ويُفرغ السياسة من معناها.

في النهاية، هم ليسوا كُتّابًا ولا سياسيين، بل مجرّد أبواق. سياسيون من ورق، تذروهم أول ريح صدق، ويبقون دليلًا على أن الكلمة، حين تفقد صاحبها، تتحوّل من أداة فكر إلى أداة تضليل.