وليد طاهر

في مشهد سياسي وأمني معقّد كالذي يعيشه الشرق الأوسط، تغدو القضايا العادلة رهائن الحسابات الإقليمية والدولية. ولعل القضية الكردية، رغم عمقها التاريخي وشرعيتها الأخلاقية، ما زالت تُعامل كملف ثانوي، أو حتى كتهديد، لا كأولوية في مسار الحلول السياسية.

تركيا، التي بنت استراتيجيتها الإقليمية على التدخل العسكري والتوسع الجغرافي، و قصفها للمناطق الكردية في شمال شرق سوريا، مستهدفة البنية التحتية، والمراكز المدنية، وحتى القيادات السياسية والعسكرية في الإدارة الذاتية. التهديدات العلنية المتكررة من قبل أنقرة بشن عمليات عسكرية جديدة، لم تعد مجرد ورقة ضغط، بل سياسة مستمرة لتقويض أي شكل من أشكال الحكم الكردي المحلي.

ما يجري ليس أمنًا قوميًا كما تدّعي تركيا، بل محاولة ممنهجة لطمس أي تجربة ديمقراطية يقودها الكرد في سوريا، وفرض وصاية دائمة على الجغرافيا والقرار السياسي في الشمال السوري، بتواطؤ ضمني من قوى دولية، وصمت مدوٍ من سلطة الأمر الواقع في دمشق.

أما على الضفة الأخرى، فإن حكومة أحمد الشرع، التي تشكّلت في إطار تسوية دولية محدودة الأفق، تُظهر تهربًا واضحًا من الاستحقاقات الوطنية الكبرى، وعلى رأسها الاعتراف الكامل بالحقوق القومية والسياسية والثقافية للشعب الكردي. بدل أن تكون هذه الحكومة فرصة لبناء مشروع وطني جامع، اختارت الاستمرار في خطاب رمادي، لا يلتزم بأي ضمانات جدية للكرد، بل يكتفي بإعادة إنتاج السياسات المركزية القديمة تحت غطاء جديد.

هذا التهرب ليس مجرد تجاهل سياسي، بل إنكار متعمّد لطرف وازن في المعادلة السورية، قدّم تضحيات هائلة في الحرب ضد الإرهاب، وأسّس نموذجًا مدنيًا يهدف إلى بناء عقد اجتماعي جديد يقوم على التعددية والعدالة والمساواة.

في ظل هذا الإقصاء المزدوج – التركي عسكريًا، والسوري سياسيًا – يبقى الشعب الكردي أمام خيار واحد: مواصلة الدفاع عن وجوده، ومراكمة الإنجازات رغم الحصار. فالقضية الكردية لم تعد قضية هوية فقط، بل باتت اختبارًا حقيقيًا لمصداقية العالم في دعمه لحقوق الشعوب، لا سيما في منطقة لم تعد تحتمل المزيد من الخداع السياسي.