️ د. خيرالدين حسن

يقول جورج برنارد شو: “الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل، لأن أغلبية من الحمير ستحدد مصيرك.”
قد تبدو العبارة صادمة، لكنها تطرح سؤالًا أعمق بكثير من مجرد نقد الديمقراطية: ما هو مستوى الوعي المطلوب كي تكون الديمقراطية أداة للنهضة لا أداة للانحدار؟

في مجتمعاتنا هناك كثيرون يرفعون شعار الديمقراطية، لكن قلّة فقط تسأل: أي ديمقراطية نريد؟ وعلى أي أرضية معرفية وثقافية ستُبنى؟
فالوعي الجمعي المثقل بالاستبداد، والموروث الطائفي، والعصبيات العشائرية، والتبعية العمياء لزعامات مصنوعة، قد يجعل من الديمقراطية مجرد صندوق اقتراع يعيد إنتاج الاستبداد بشكل جديد، بدل أن تكون مساحة للحرية والاختلاف وإدارة التنوع.

وهنا يبرز السؤال الأصعب: هل نحن بحاجة فعلاً إلى الديمقراطية؟
أم أن مجتمعاتنا غير مجهّزة بعد لها، بحيث لا تنجح إلا تحت قبضة “الديكتاتور العادل” الذي يفرض النظام بالقوة؟
هذا السؤال قد يبدو مغريًا للعديد، لكنه في الحقيقة إشكالي وخطير. فالتجارب التاريخية أظهرت أن الاعتماد على “الديكتاتور المنقذ” مجرد وهم قصير العمر، لأن السلطة المطلقة لا تُنجب عدلاً بل فسادًا أعمق، وتجعل المجتمع أكثر هشاشة حين تسقط.

الديمقراطية ليست مجرد آلية سياسية، بل مشروع ثقافي طويل المدى. وإذا لم نزرع قيمها في التعليم، ونرسّخها في العائلة، ونمارسها في حياتنا اليومية، فلن تنجح مهما رفعت الشعارات.

إذن، ليست القضية في أن الديمقراطية لا تصلح لنا، بل في أننا لم نُصلح أنفسنا بعد لاحتضانها. نحن بحاجة إلى ثورة وعي قبل أن نهتف للثورة السياسية.
وإلا سنبقى ندور في الحلقة ذاتها: تغيير أشخاص لا تغيير أنظمة، استبدال وجوه لا استبدال قيم.

🗝️ الديمقراطية ليست وصفة جاهزة تُستورد من الخارج، بل ثمرة نضوج داخلي يحتاج إلى تعليم، حرية تفكير، ومصالحة عميقة مع الذات ومع الآخر.