وليد طاهر

في عمق النفس البشرية، يكمن تناقض مرير بين ما يُقال وما يُفعل، بين ما يُعلَن وما يُخفى. هناك من يتخلى عن مسؤوليته، يتقاعس، يخطئ، بل ويتورط في ما يشبه الخيانة — عن جهل أو عن وعي — ثم يخرج إلى الناس في ثوب المناضل، متشحًا برداء الطهارة والحق. لا يعترف، لا يراجع، لا يعتذر. بل يصنع لنفسه رواية بطولية، يبيعها للناس، ويشتري بها الاحترام الزائف.

الأدهى من ذلك، أن هناك من يعرف الحقيقة، ومع ذلك يصفق له، يمدحه، ويصنع حوله هالة من القداسة. هؤلاء لا يخدعون أحدًا قدر ما يخدعون أنفسهم. فأن تتضامن مع الزيف وأنت تدركه، فذلك نفاق يفوق الزيف ذاته. هو ليس مجرد ضعف أخلاقي، بل خيانة مزدوجة: خيانة للوعي، وخيانة للحقيقة.

النفاق هنا لا يصبح مجرد سلوك، بل يتحول إلى بنية نفسية، إلى منظومة دفاعية تهرب من المحاسبة وتخاف من المرآة. وهكذا، يتحول الخطأ إلى بطولة، والخيانة إلى اجتهاد، ويصبح المناضل الحقيقي هو من يصمت في الزاوية بينما يحتل المسرحَ الممثلُ الرديء.