وليد طاهر

في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، كانت القضية الكردية في سوريا تمر بمرحلة حساسة ومعقّدة، مع تصاعد السياسات القومية المركزية التي استهدفت الكرد في وجودهم وحقوقهم الأساسية، لا سيما في شمال شرق البلاد، حيث يشكل الكرد نسبة كبيرة من السكان.

من بين أبرز تلك السياسات، برز مشروع “الحزام العربي” الذي أقرّته السلطات السورية في عام 1965، ونُفّذ بشكل متدرّج خلال السبعينيات. يهدف المشروع إلى تغيير البنية الديموغرافية لمناطق الجزيرة السورية ذات الأغلبية الكردية، عبر تهجير الكرد من قراهم وأراضيهم، وتوطين أسر عربية جاءت من محافظات أخرى، خصوصًا من الرقة ودير الزور، على طول شريط حدودي بطول 300 كم وعمق 10-15 كم شمالي الحسكة. جرى هذا تحت ذرائع “الأمن القومي”، وكان المشروع يمثل محاولة ممنهجة لمحو الوجود الكردي وتفكيك تماسكه الجغرافي والاجتماعي.

في مواجهة هذه السياسة، برز العم أوصمان صبري كأحد أبرز رموز المقاومة السياسية الكردية. كان من أوائل من أدركوا خطورة المشروع على الهوية والوجود الكردي في سوريا، وعبّر عن رفضه له بشكل صريح وواضح، معتبرًا أن مواجهة الحزام العربي واجب وطني وقومي لا يمكن التراجع عنه.

آمن العم أوصمان صبري بأن الحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع بالنضال والصمود، وقال مرارًا إنّ المشروع لا يستهدف الأرض فقط، بل يهدف إلى محو الذاكرة والثقافة واللغة. لذلك دعا إلى مواجهة المشروع بجميع الوسائل، بدءًا من التنظيم السياسي، والتوعية الجماهيرية، وصولًا إلى العصيان المدني إن لزم الأمر.

غير أن مواقفه الصلبة لم تلقَ إجماعًا داخل الحركة الكردية السورية آنذاك. فقد برزت في صفوف القيادة بعض الأصوات التي رأت في نهج أوصمان صبري “تصعيدًا غير محسوب”، وفضّلت اتباع سياسات أكثر “مرونة”، بدافع الخوف أو المصلحة أو الحسابات الشخصية.

تلك الأصوات، التي وصفها البعض بالانتهازية لم تكن ترى في مواجهة المشروع أولوية، بل كانت تميل إلى تجنب الصدام المباشر مع السلطات السورية، ما خلق شرخًا داخل الحركة.

هذا الانقسام في الموقف أضعف إلى حدٍّ ما من قدرة الكرد على بناء جبهة موحّدة في وجه مشروع الحزام العربي، لكن ذلك لم يمنع أوصمان صبري من مواصلة نضاله، مؤمنًا أن التاريخ سيُنصف المواقف الصادقة، حتى وإنْ لم تحقّق نتائجها المباشرة في وقتها.

وظلّ المناضل والشخصية الكاريزيميه أوصمان صبري، حتى وفاته، متمسكًا بموقفه، محذرًا من التهاون مع سياسات التعريب والتغيير الديمغرافي، ومدافعًا عن حق الشعب الكردي في العيش على أرضه بكرامة وحرية.
ويبقى العم أوصمان صبري أشرف وأكثر شخصية إخلاصًا ووفاءً وتضحيةً في سبيل انتزاع الحقوق المشروعة للشعب الكردي بما فيه الانفصال.

رحم الله مناضلا قلما يصنع التاريخ أمثاله.