جوان ديبو

قراءة التاريخ مسألة مهمة لأنها محاولة تساعد قليلا أو كثيرا على فهم بعض أو مجمل ما حدث في الماضي، وعلى الاستيعاب النسبي لما يحصل في الحاضر، واخيرًا وليس آخراً، على استشراف القليل أو الكثير من المستقبل. لكن ذلك كله يعتمد على عقل القارئ، فإذا كان عقلاً استقبالياً وتلقينيا بالمعنى السلبي والتقليدي للكلمة، عندئذ يصبح أسيرا طوعياً في فخ تصديق وتأكيد كل ما يقرأه أو على الأقل كل ما يطيب له ويسر خاطره ويتماشى مع فكره. مجمل التأريخ هو ذاتي ومؤدلج إن لم يكن أغلبه، سواء الذي تم تدوينه من قبل الأقوياء الأذكياء الظالمين أو من قبل الضعفاء الأغبياء المظلومين. الحاضر الذي نعيشه يتم تحليله وتأويله وتسجيله وفق عشرات لا بل مئات الأشكال المتباينة. وبالتالي بالنسبة للبعض يتم تحليله وتفسيره وكتابته بشكل صحيح، وبالنسبة للبعض الآخر، يتم تحليله وتفسيره وكتابته بشكل مزور. وكنتيجة، فالمؤرخ والإنسان عامة هو كائن ذاتي وليس موضوعي. على سبيل المثال لا الحصر، ما حدث في سوريا وبعض البلدان العربية منذ ٢٠١١، كان بالنسبة للبعض ثورات “الربيع” العربي، وبالنسبة للبعض الآخر المشكك، كان ربيعاً أو شتاء إسلامياً خالصاً بدليل ولوج القوى الإسلامية السلطة في أكثر من بلد. بعد عقود وقرون سيصبح حاضرنا تاريخاً، وتأريخه سيكون وفق عدة نماذج متناقضة ومتضاربة. لكل نسخته عن التاريخ والحاضر، ونسخة القوي الرابح هي التي تُقرأ وتُسمع أكثر باالمقارنة مع النسخة التي يتبناها الضعيف الخاسر.