Beshir Shekhee
أستغرب عندما أرى شخصًا أكاديميًا مطّلعًا على التاريخ، يكتب مقالًا محشوًا بالمصادر، معتمدًا اعتمادًا تامًا على كتب المؤرخين… تقرأه فلا تجد فيه شيئًا جديدًا، وكأنك أمام نسخة “نسخ ولصق”. يحاول أن يظهر نزاهته للقارئ بأنه يروي “الحقيقة”، دون أن يخطر بباله أن يقرأ ما بين السطور، أو يحلّل نصوص المؤرخين بعقل منطقي.
لو فتح الكتب التاريخية بعين َمحقق، سيكتشف غرائب عجيبة، وهذه وحدها كافية لتفتح وعي القارئ وتكشف له الحقيقة.
خذ مثالًا واحدًا من آلاف الأمثلة:
لو تأملنا تاريخ المنطقة خلال ألف عام الماضية قبل مجيء الانكليز، سنكتشف أن العرب لم يكن لهم أي وجود سياسي. لا أمير عربي، ولا سلطان عربي، ولا حتى إمارة صغيرة في الشام أو مصر أو الرافدين أو الاناضول أو بلاد فارس. لا حضور إطلاقًا في السلطة. ما نجده فقط: ذكر عابر لقبائل بدوية رحّل ترعى الإبل والمواشي في البوادي.
أما السلطة؟ فكانت كالآتي:
- البويهيون الكرد (منتصف القرن 10 – منتصف القرن 11): سيطروا على بغداد والكوفة، وأسسوا امبراطورية دامت قرابة 100 عام، والخليفة العباسي محجوز في قصره لا يملك إلا اسمه. الحكم والجيش والضرائب بيد البويهيين.
- السلاجقة الأتراك (القرن 11 – منتصف القرن 12): ورثوا الحكم واسسوا امبراطورية دامت قرابة 130 عام، وأبقوا العباسيين “رموزًا ورقية”، بينما السلطة الفعلية بيدهم.
- الأيوبيون الكرد (أواخر القرن 12 – أوائل القرن 13): بقيادة أسب سالار (صلاح الدين) ، حكموا قرابة تسعين عامًا. الخليفة العباسي بلا قيمة سياسية.
- المماليك (منتصف القرن 13 – أوائل القرن 16): من أصول تركية وقوقازية، حكموا الشام ومصر قرابة مئتي عام. العرب؟ مجرد فلاحين ورعايا.
- العثمانيون (القرن 16 – أوائل القرن 20): أربعة قرون من الحكم المطلق، والعرب مجرد رعية في إمبراطورية تركية.
بينما الكرد طيلة كل هذه المدة كانوا امراء على بعلبك والقدس وادلب وحلب والشام وكل القلاع والحصون من فارس الي الانضول والشام والحجاز ومصر..
النتيجة المنطقية:
العرب طوال ألف عام لم يحكموا سوى خيام من شعر الماعز، وقطعان من الإبل والمواشي. أما السلطة على المدن الكبرى والولايات فقد تعاقب عليها الكرد والتركمان والمماليك والعثمانيون.
ولسخرية القدر!!
اليوم يخرج علينا صعلوك فيسبوكي” ليروي حكايات عن أمجاد بدو الصحراء ، وكأنهم كانوا أصحاب التيجان والسيوف! أي تيجان يا روح أمك؟ ما وُضع على رؤوسهم لم يتجاوز الكوفية والعقال.
أجدادك البدوكانوا رعايا وخدم في ممالك الآخرين، يتنقلون بين ظل خيمة وذيل قافلة. كل ما حكموا خلال ألف عام لا يتجاوز خيمة من وبر الماعز وقطيع إبل يضيع نصفه في الصحراء ويسرق نصفه الآخر من قبل اعمامك في الخيمة أخرى.
أما المدن العظيمة: بغداد، دمشق، القدس القاهرة، حلب، روها، بعلبك… فقد كانت دائمًا تُدار بأيدٍ كردية، تركمانية، مملوكية، عثمانية. اما اجدادك مرّوا منها كما يمر الغبار على النوافذ: يُرى لحظة ثم يُمسح.
فاسأل نفسك: من هم أصحاب الأرض حقًا؟
أولئك الذين شادوا القصور وأقاموا الدول، أم الذين ورثوا القصص من عتابات الربابة وسمّوها “تاريخًا مجيدًا”?
التاريخ لا يكتبه الرعاع، بل الذين يملكون مفاتيح القصور.
فلا تُتعب نفسك كثيرًا بكتابة “أمجاد” على فيسبوك… التاريخ لا يُزيَّف بالتعليقات، ولا يُبنى بالميمات.
التاريخ كالجدار الحجري: لا يعلّق عليه إلا من وضع حجرًا فيه.
أما أنتم؟
كل ما ورثتموه من أجدادكم صدى صحراء، و” وردة وردة على الكطن تعالي” على ظهر ناقة.
قصور غيركم صارت متاحف، أمّا خيامكم فقد ذاب وبرها مع أول مطر.
فلا تقولوا: “نحن اصحاب دول.”
قولوا الحقيقة كما هي: “لولا الأنكليز لكنا حتى الآن في الخيم ولم نكن نحلم حتى بقن دجاج.. وقضينا حياتنا تائهين في الصحراء.

