د.خيرالدين حسن

في عالم التواصل الاجتماعي، حيث يفترض أن تكون الروابط الإنسانية أقوى، نجد أن العنصرية تتسلل حتى إلى أبسط التفاعلات. تخيل كاتبًا كرديًا ينشر مقالًا مدروسًا يناقش قضايا المنطقة، لكنه يواجه الصمت التام من أصدقائه العرب. أما عندما ينشر أحدهم من الجانب الآخر محتوى سطحيًا أو مثيرًا للجدل، فيهرع الأصدقاء العرب لدعمه بالإعجابات والمشاركات. هذا ليس مجرد إهمال، بل هو تعبير عن عنصرية عميقة الجذور، تتجلى في الردود والتعليقات والمشاركات، وتمتد إلى السياسة والمجتمع في منطقة الجزيرة السورية. نحن، الكرد، ننادي إخوتنا العرب “إخوة” بصدق، لأننا نراهم كذلك، لكن هل يُرد لنا الجميل بالمثل؟
التغييرات التاريخية: من صدام إلى “الحكومة الجديدة”
منذ أحداث 2011، شهدت الجزيرة السورية – تلك المنطقة الخصبة بين نهري دجلة والفرات، التي تضم محافظات الحسكة والرقة ودير الزور – تحولات سياسية دراماتيكية. قبل الثورة، كان الجميع في المنطقة، بما في ذلك العرب، يدعمون صدام حسين، الذي كان يُنظر إليه كرمز للقومية العربية. ثم جاءت جبهة النصرة (التي أصبحت لاحقًا هيئة تحرير الشام) إلى المناطق، فارتفعت شعاراتها بكل حماسة، تلتها داعش، التي سيطرت على أجزاء واسعة من الشرق السوري. كانت هذه التحالفات مؤقتة، مبنية على مصالح لحظية، لا على مبادئ ثابتة.
عندما دخل الكرد المشهد، من خلال قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي قادت معركة هزيمة داعش بجانب التحالف الدولي، تغير كل شيء. قسم كبير من السكان العرب بدأ في انتقاد قسد بشدة، ليس حبًا بالنظام السابق، بل لأسباب أعمق تتعلق بالخوف من الاعتراف بالكرد كشركاء متساوين. قبل ذلك، كان الجميع يدعم حكومة بشار الأسد، ويرسلون أبناءهم إلى جبهات القتال ضدهم أو لصالحهم. واليوم، بعد سقوط الأسد في ديسمبر 2024، يدعم الجميع “الحكومة الجديدة” – سواء كانت هيئة تحرير الشام أو أي كيان آخر – دون تردد.  هذه التغييرات المتكررة ليست مصادفة؛ إنها تعكس نمطًا من الولاءات المتقلبة، حيث يُقابل الدعم الكردي للاستقرار بالرفض والتمييز.
ومع ذلك، ساهم الكرد في بناء الاستقرار هناك، خاصة بعد هزيمة داعش، حيث أصبحت قسد حليفًا أمريكيًا أساسيًا.  لكن هذا الدعم لم يُقابل بالشكر؛ بل بالاتهامات بالانفصالية والعنصرية المتبادلة.
العنصرية في التواصل الاجتماعي: صوت التمييز
يبرز التواصل الاجتماعي كمرآة للعنصرية في المنطقة. في السنوات الأخيرة، ارتفع خطاب الكراهية بشكل غير مسبوق، خاصة خلال الاضطرابات في دير الزور، حيث امتد التمييز العنصري إلى مجموعات عرقية مختلفة، بما في ذلك الكرد  على منصة إكس (تويتر سابقًا)، نجد منشورات عربية تتهم الكرد بالعنصرية والارتباط بالـ”بي كا كا” (حزب العمال الكردستاني)، مطالبة بـ”عدم التدخل في شؤون سوريا”، رغم أن الكرد جزء أصيل منها.  آخرون يهددون الأحياء الكردية في الشيخ مقصود والأشرفية بالاعتداءات، مشجعين على انتهاكات حقوقية ضد المدنيين. 
هذه المنشورات ليست معزولة؛ إنها جزء من نمط أوسع. في فبراير 2025، برزت تهديدات علنية ضد الكرد، مدفوعة بـ”قومية متطرفة ممزوجة بالإسلام الراديكالي”، حيث يشعر بعض العرب بالجرأة للكشف عن كراهيتهم بعد سنوات من الاعتماد على الكرد للحماية من داعش.  حتى في كردستان العراق، يُشكى من رفض بعض العرب تعلم الكردية رغم عقود من العيش هناك، بينما يتعلم الآخرون اللغة بسرعة.  هذا التمييز ليس جديدًا؛ فقد سجلت تقارير عن عنصرية ممنهجة ضد الكرد في سوريا منذ عهد البعث، بما في ذلك حملات التعريب القسري. 
موقف الكرد: سلام وصمود أمام المدفع
طوال السنين، لم نعدَ أحدًا في المنطقة، ولم نحارب إلا دفاعًا عن النفس والأرض المشتركة. الأكراد كانوا دائمًا في وجه المدفع: ضد داعش، حيث قادت قسد المعارك الدامية في كوباني والرقة، مما أنقذ المنطقة بأكملها.  لم نسعَ للانفصال، بل لللامركزية والاعتراف بالحقوق الثقافية، كما يطالب به معظم الكرد السوريين.  في الوقت نفسه، يقبل العالم حكم الكرد في إقليم كردستان العراق، لكنهم “غير مرغوبين” في سوريا. لماذا؟ هل لأننا نطالب بحقوقنا دون عنف؟ أم لأننا نعامل الآخرين كإخوة، بينما العنصرية في التواصل الاجتماعي ليست مجرد كلمات؛ إنها بذور الفتنة التي تهدد الاستقرار بعد سقوط الأسد وأنها استمرار للعقيدة القديمة ورفض الآخر .  ندعو إخوتنا العرب إلى التأمل: لماذا نرفض الآخر بينما نطالب بالقبول؟ دعونا نبني سوريا جديدة تعترف بالجميع، حيث تكون التفاعلات على وسائل التواصل بداية للحوار، لا للكراهية. الأكراد لن يتخلوا عن إيمانهم بالإخاء، لكن الإخاء يحتاج إلى جهد مشترك. هل أنتم جاهزون؟