جوان ديبو

عندما يقول الرئيس التركي “سنبني نحن الأتراك والأكراد والعرب مستقبلنا معاً اعتماداً على تاريخنا المشترك كما فعلنا قبل عشرة قرون”، فهو يقصد هنا حصرياً الكردي الجيد وفق قاموسه. فمن هو الكردي الجيد والكردي السيء حسب وجهة نظر أردوغان ومن لفَّ لفه؟
كل كردي لا يطالب بحقوقه ولا ينتسب إلى أي من الأحزاب الكردستانية أو يؤيدها، ولا يعارض الحكومات المركزية في الدول التي تقمع وتضطهد الأكراد ولا يسبب لها أي إزعاج، لا بل يناصرها ويصوت لصالح مرشحيها في الانتخابات كما هو حال الكثير من الكُرد في تركيا الذين يصوتون لصالح مرشحي حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات المختلفة بسبب الخطاب الديني الذي يستميلهم، فهو كردي جيد وصالح ومسالم يجب أن تُقدم له الامتيازات والتسهيلات. بمعنى آخر، كل كردي هامد وخامد وجامد وساكن ومستترك ومستعرب ومتفرس قلباً وروحاً وعقلاً، فهو كردي جيد وأخ وصديق بالنسبة لأردوغان وغلاة العنصريين في أنقرة وطهران وبغداد ودمشق. وفي هذا السياق، يقول المفكر وعالم الاجتماع التركي إسماعيل بيشكجي “يستطيع الكردي في تركيا أن يتمتع بالحريات العامة وبالمساواة شريطة إنكاره لهويته القومية. إنه سلوك عنصري عندما يكون تطبيق العدالة وحقوق الإنسان والحرية مرتبط بإكراه المرء على التنكر لهويته القومية، وهو سلوك رجعي يهدف إلى إبادة الجنس البشري، ومثل هذا الإكراه هو الذي يجعل من كردستان في وضع أدنى حتى من وضع المستعمرة”.
بالمقابل، كل كردي يطالب بكل أو جزء من حقوقه التاريخية المشروعة والمسلوبة، سواء في كردستان تركيا أو في بقية أجزاء كردستان هو كردي سيء من وجهة نظر أنقرة. ليس مهماً فيما إذا كان ذلك الكردي منتسباً إلى حزب العمال الكردستاني في تركيا أو إلى بقية الأحزاب الكردستانية في بقية أجزاء كردستان. وليس مهماً فيما إذا طالب ذلك الكردي ببعض الحقوق أو جُلها وبصرف النظر عن أشكال وصيغ الحقوق التي يسعى لها، فإن ذلك الكردي سيء ومخرب وخطر وخائن وعميل لواشنطن وللغرب ولإسرائيل بالنسبة إلى الحكام والحكومات في أنقرة. وبالتالي وجب القصاص منه ووقع عليه أقصى وأشد أنواع العقوبات ووجب محاربته حتى في قوته اليومي.
لذلك لا يمل أردوغان من ترديد مقولة إن الكُرد إخوة لنا ومشكلتنا هي فقط مع أو كانت مع حزب العمال الكردستاني في تركيا وحزب الإتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب وقسد في شمال وشمال شرقي سوريا. وكان الخميني ومن بعده خامنئي في طهران يقولان أيضاً إن الكُرد في إيران إخوة لنا، لكن خلافنا ينحصر مع الحزب الديمقراطي الكردستاني – إيران وقيادته وثواره. بدوره، كان صدام حسين يردد أيضاً نفس النغمة عندما كان يقول إنه لا خلاف مع الكُرد في العراق وكل الخلاف هو مع مسعود بارزاني وجلال طالباني ومقاتليهما.
ولم يشذ عنهم في هذا السياق لا حافظ الأسد ولا ابنه بشار، حيث كان الأخير يكرر بين الفينة والأخرى ما معناه أن الكُرد في سوريا لهم كافة حقوق المواطنة وهم مكون أساسي من مكونات الشعب السوري، لكن خلافنا يكمن مع الأحزاب الكردية في سوريا التي تعمل على تسييس الحالة ووصف وتذييل القصة بالقضية والحقوق وما إلى ذلك، علما بأنه حتى سنة 2011 كان هناك أكثر من نصف مليون كردي مجردين من الجنسية السورية حيث عمد النظام بعد ذلك إلى منحهم إيّاها تحت وطأة المظاهرات في الداخل السوري وفي محاولة يائسة وبائسة منه لمخاتلة المجتمع الدولي. والآن يحذو أبو محمد الجولاني حذو قدوته وولي نعمته أردوغان في هذا الصدد.
لكن تاريخياً ما يميز السياسات التركية عن بقية الدول المشتركة بالهمّ الكردي هو كمية وكيفية إرهاب وترهيب الدولة المنظم ضد تطلعات وحقوق شعب يناهز الخمسين مليون نسمة داخل وخارج تركيا، بالإضافة إلى لعب دور شرطي المنطقة الذي قام ويقوم بإجهاض محاولات الكُرد في انتزاع الحقوق نيابة عن دول الجوار الأخرى التي تقتسم مع أنقرة العقدة الكردية، وهذا ما يشي بمعايشة تركيا لحالة حرب حقيقية ضد الكُرد منذ الأزل.