د.خيرالدين حسن

في لحظةٍ تتكاثر فيها الخطابات عن “الوحدة الوطنية” و“العيش المشترك”، يبدو السؤال الأكثر صدقًا وإحراجًا:
هل أنصف المثقف العربي الكُرد، شركاءه في التاريخ والجغرافيا والوجع؟

منذ تأسيس سوريا بشكلها الحالي ، يعيش الكرد في سوريا بين هويةٍ ممنوعة ووجودٍ مؤجّل. لم يُنصفهم النظام، ولم تحمِهم المعارضة، وظلّ المثقف العربي ــ إلا في حالات نادرة ــ صامتًا حين كان عليه أن يكون ضمير العدالة.

اليوم، لم يعد الصمت خيارًا. لأن العرب هم من يشكلون الأكثرية من سكان سوريا، ولأن المثقف العربي هو اليوم جزء من سلطة الأمر الواقع: سلطة الكلمة، وسلطة التأثير، وسلطة التبرير أحيانًا.

ليست القضية الكردية مسألة قومية ضيقة

القضية الكردية ليست نزعة انفصالية كما يحلو للبعض أن يصوّرها، بل سؤال عن العدالة والمواطنة.
إنها ليست صراعًا بين هويات، بل بين من يملك حق التعبير عن ذاته ومن يُحرَم منه.
أن تطالب بحقوقك الثقافية والسياسية والاجتماعية لا يعني أنك تريد تقسيم الوطن، بل أنك تريد أن تكون مواطنًا فيه كامل الكرامة.

لكن المثقف العربي، في كثير من الأحيان، اختار الطريق السهل: طريق الشكّ في نوايا الكُرد، أو اتهامهم بالعمالة، أو التعامل معهم كـ “أقلية يجب أن تُدار لا أن تُحاور”.
وهنا مكمن الخطأ الأخلاقي والفكري معًا.

المثقف الحقيقي لا يبرّر الظلم، بل يفضحه

إن مسؤولية المثقف لا تقف عند حدود الانتماء القومي أو العاطفة السياسية، بل تبدأ من الاعتراف بالظلم الواقع على الآخر.
وما لم يعترف المثقف العربي أن الكُرد حُرموا لعقود من لغتهم، وأرضهم، ومواطنتهم، ومشاركتهم في القرار، فإنه يساهم بصمته في استمرار تلك المظالم.

إنصاف الكُرد لا يعني الانحياز ضد العرب، بل الانحياز إلى العدالة.
تمامًا كما وقفت أصوات كردية إلى جانب القضايا العربية، كقضية فلسطين ، فإن الواجب الأخلاقي يقتضي أن يقف المثقف العربي اليوم إلى جانب الكُرد، لا من موقع الإحسان، بل من موقع الشراكة التاريخية في الوجع والمصير.

بين قامشلو ودمشق ذاكرة واحدة

لم يكن الكرد غرباء في سوريا (من يوسف العظمة وابراهيم هنانو إلى يوسف البرازي )، بل شركاء في تأسيسها، في الدفاع عنها، وفي الحلم بدولة مدنية تحترم التنوّع.
من قامشلو إلى دمشق، ومن ديريك إلى حلب، حمل الكرد ذات الهمّ الوطني، لكنهم لم يجدوا في المقابل سوى التجاهل أو الشكّ.

على المثقف العربي أن يسأل نفسه بصدق:
كيف يمكن أن ندعو إلى الحرية ونحن نخشى أن ينطق الآخر بلغته؟
كيف نحتفل بالوطن ونحن نرفض أن يكون متعدّد الألوان؟
وهل يمكن أن يكون هناك وطنٌ حقيقي بينما نصف أبنائه يشعرون بالغربة داخله؟

الحق لا يُمنح… بل يُعترف به

الكرد لا يطلبون فضلًا من أحد، بل اعترافًا بحقّهم الطبيعي في أن يكونوا كما هم.
لا يريدون زيادةً ولا نقصانًا.
يريدون فقط ما يريده أي مواطن حرّ:
أن يتعلم بلغته، أن يحتفل بثقافته، أن يُمثَّل سياسيًا دون وصاية، وأن يُعامَل في وطنه كمواطن لا كضيف.

رسالة إلى المثقف العربي في قامشلو

إذا كانت السلطة السياسية مسؤولة عن الإقصاء، فإن المثقف مسؤول عن التبرير.
وإن صمت المثقف العربي عن إنكار الهوية الكردية، فهو ليس محايدًا، بل شريك في إدامة الظلم.
لقد آن الأوان أن يكفّ المثقف العربي عن النظر إلى الكُرد كـ “ملف” أو “مشكلة”، وأن يبدأ في رؤيتهم كجزءٍ من الذات السورية والعربية الكبرى التي لا تكتمل بدونهم.

الكلمة اليوم، ليست فقط بيانًا سياسيًا، بل امتحان ضمير.
فإما أن يكون المثقف العربي في صفّ العدالة، أو يبقى شاهدًا صامتًا على استمرار دولةٍ لا تعترف بتعددها ولا بتاريخها الحقيقي.

خاتمة: دعوة إلى صدق الشراكة

أنصفوا الكُرد، أيها المثقفون العرب، لا مجاملةً ولا تفضّلًا، بل وفاءً للحقيقة.
فالكُرد كانوا معكم في الساحات، وفي المقاومة، وفي الحلم.
ولا يريدون سوى أن يُسمع صوتهم في الوطن الذي ساهموا في بنائه.

إن الاعتراف بالحقوق الكردية ليس خطرًا على وحدة سوريا، بل هو شرطها الحقيقي.
فالوطن الذي لا يعترف بتعدده، يسقط من الداخل قبل أن يمسه الخارج.