وليد طاهر

في كل جنازة شهيد، هناك أم كردية تقف شامخة، لا تودّع ابنها فقط، بل تودّع جزءًا من روحها بثباتٍ يشبه المعجزة. الأمهات الكرديات، في لحظات الفقد، لا ينحنين أمام الموت، بل يرفعن رؤوسهن عاليًا، وكأنهن يلقّنّ العالم درسًا في النُبل والكرامة.

زغاريدهن ليست فرحًا، بل صيحة تحدٍّ، وإعلانٌ واضح بأن دماء أبنائهن أغلى من أن تُستثمر في صفقات سياسية أو تُستغل في دهاليز المساومة. فالتضحية لديهم ليست وسيلة، بل غاية نبيلة، تمهّد الطريق نحو حرية يُراد لها أن تُولد رغم كلّ الألم.

إجلالًا لتلك الأمهات اللواتي يعرفن أن أبناءهن لم يُخلقوا ليكونوا أوراق ضغط، بل ليكونوا رايات ترفرف فوق أرضٍ تنتظر الخلاص. إجلالًا لنُبل قلوب لم تزرع الكراهية، بل سقت الأرض بحبٍ لا يعرف الأنانية، مؤمنات بأن الكرامة القومية لا تُشترى، وأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع بثمنٍ غالٍ.

في وجوههن الحزينة تنعكس بطولة صامتة، وفي صبرهن ترقد شرارة التغيير. هنّ ذاكرة الارض، وضمانته ضد النسيان، وضد كل محاولة لبيع القضية أو خيانتها…