وليد طاهر

العقل الباطني هو المرآة الصامتة للحقائق الراسخة، بينما العقل الظاهري لا يعدو كونه ساحة صاخبة للمراوغة والتبرير. في هذا التقابل، يتجلّى الصراع بين العمق والسطح، بين ما نؤمن به دون وعي، وما نمارسه في ظاهر سلوكنا الواعي.

وإذا أردنا تجسيد هذا الصراع بين العقل الباطني والظاهري في مثال واقعي، فإن موقف السلطات السورية المتعاقبة، والسلطة المؤقتة الحالية ، في تعاملها مع قضية الشعب الكردي في سوريا، يمثّل نموذجًا صارخًا لهذا الانفصام. فالعقل الباطني للسلطة يدرك تمامًا وجود هذا الشعب، وتاريخه، وحقوقه الثقافية والسياسية. ومع ذلك، يتجلّى العقل الظاهري في خطاب سياسي مراوغ، يتجنب الاعتراف الصريح، ويلجأ إلى الصياغات الغامضة والمواقف الرمادية، في محاولة للإبقاء على الواقع كما هو دون مواجهة حقيقة التعدد القومي في البلاد.

إنّ هذا التناقض لا يكشف فقط عن أزمة في الخطاب السياسي، بل يعبّر عن خلل أعمق في البنية النفسية للسلطة، حيث يُخشى من الاعتراف بالحقيقة الكامنة، لأن هذا الاعتراف يهدّد تصوّرها الأحادي للدولة والمجتمع.

وهكذا، فإن التحرّر لا يبدأ من قرارات سياسية عُليا، بل من مصالحة بين ما نعرفه في أعماقنا، وما نجرؤ على قوله. وعندها فقط يمكن أن يُفتح باب العدالة والاعتراف، لا بوصفه تنازلًا، بل بوصفه تصحيحًا تأخر كثيرًا.