جوان ديبو
ببساطة لأن الكذب جزء من مهنة السياسي، ولأن أغلب السياسيين يمارسون الكذب الممنهج والمنظم عندما يمتهنون السياسة وهم في ريعان وذروة شبابهم وربيع حياتهم، إذاً كيف سينتهي بهم المطاف وهم يدونون مذكراتهم في خريف العمر؟ بالتأكيد سيكون الكذب والتلفيق والتضليل مضاعف في المذكرات لأنه لا ضوابط ولا روادع أخلاقية لمعظم السياسيين بما أن مهمازهم وبوصلتهم الأولى والأساسية هي الأنا والنرجسية المفرطة.
ذات مرة سأل مذيع ال BBC المشهور ستيفن ساكور رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عندما استضافه في برنامجه المشهور Hard Talk: يقول خصومك انك تكذب كثيراً، ما هو ردك؟ أجابه بلير قائلاً: هم محقون في ذلك لأن الكذب هو جزء من مهنة السياسي، لكن اعتقد ان معظم الكذب والخداع الذي مارسته كان من اجل خدمة بلدي.
في كتابه المعنون “لماذا يكذب القادة والزعماء: حقيقة الكذب في السياسة الدولية” يُعرّف جون ميرشايمر، استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو ومؤلف العديد من الكتب القيمة في حقل العلاقات الدولية، الكذب بأنه “هو عندما يدلي شخص ما، بقول او تصريح، وهو يعرف أو يتوقع مسبقاً انه زائف، وذلك على أمل أن يظن الآخرون انه صحيح. فالأكذوبة هي عمل إيجابي مصمم كي يخدع الجمهور. يمكن أن يتضمن الكذب صناعة وقائع يعرف المرء انها زائفة، أو نفي وقائع أخرى يعرف انها صحيحة. لكن الكذب ليس فقط حول وقائع محددة. يمكن أن يشتمل الكذب أيضًا على ترتيب وقائع معينة بطريقة مخادعة لسرد قصص وهمية”.
يكذب السياسي في مذكراته على الرغم من درايته التامة بأن قلة قليلة فقط من محبيه وأتباعه ومريديه ستصدق ما قام بتدوينه وأن الأغلبية ستميل إلى تكذيبه وعدم تصديقه. لذلك لا يتوانى معظم السياسيين في مذكراتهم عن تحويل الأخطاء المقصودة الفادحة الى إنجازات والتطرف الى اعتدال والإرتزاق والعمالة الى نزاهة ونضال، لأن ما يهم هذه الشاكلة هو إرضاء النزوع الذاتي النرجسي وإرضاء الأقلية المحسوبة والقريبة فقط، وليس مهماً التأريخ ورأي الأغلبية الحائرة. بقي أن أضيف بأن بعض السياسيين يكذبون ويراوغون ويخادعون من أجل مصالح شعوبهم ودولهم، وهذا مبرر في عالم السياسة، مقابل البعض الذي يصر على الكذب والتضليل والافتراء والتلفيق خلال مزاولتهم للسياسة وحتى في مذكراتهم من أجل المصالح الشخصية وجمع المال والاغتناء غير المشروع وغير الشريف بصرف النظر عن الطريقة والأسلوب الذي قد يتطلب أحياناً كثيرة الارتهان لإرادة وأجندات الخصوم والأعداء.
بكل أسف، الساحة الكردية في سوريا مليئة ومتخمة بالشاكلة الثانية التي أصبحت وبالاً على الشعب وقضاياه وجزء من المشكلة وليس من الحل.
