ديندار خاشو

يشكّل الوجود الكردستاني في المهجر ركيزة أساسية في دعم القضية الكردية وتعزيز حضورها على الساحة الدولية. ومن هذا المنطلق، تقع على عاتق الجاليات مسؤولية تاريخية تتجسّد في العمل المنظَّم والواعي، من أجل خدمة القضية الكردية، مع التأكيد على إبراز الصورة الحضارية للشعب الكردي بوصفه شعباً يؤمن بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بعيداً عن أي خطاب ديني أو فكري متطرف لا يخدم هذه القضية العادلة.

لقد شهدت الحركة السياسية الكردية في سوريا، منذ انطلاقتها عام 1957، تحولات عميقة، بدأت بحزبٍ واحد، لتتعدّد الأحزاب لاحقاً، إلى درجة أن المواطن الكردي لم يعد قادراً على الإحاطة بأسمائها وأجنداتها، خاصة بعد انتفاضة آذار 2004، التي كسرت حاجز الخوف لدى الشارع الكردي، ثم بعد عام 2011، حيث تفاقم التشرذم، وانتشر المال السياسي، وتغلغلت بعض العناصر الانتهازية التي أساءت للمشهد السياسي الكردي، من خلال ولاءاتها الضيقة أو عملها لمصالح غير وطنية.

من هنا، تبرز الحاجة الماسة إلى استقلالية القرار السياسي الكردي، وبناء شخصية كردية سورية متحرّرة من التبعية والوصاية، وقادرة على اتخاذ القرار الوطني بما يخدم المصلحة القومية العليا. هذه الدعوة لا تعني الانتقاص من الأجزاء الأخرى من كردستان، بل تأتي تأكيداً على أن الوحدة القومية الحقيقية تُبنى على الاحترام المتبادل، لا على علاقات الشيخ والمريد، أو منطق الآغا و”المربّي”، بل على أسس ديمقراطية متكافئة تعزز التعاون والتكامل.

أما الأحزاب السياسية الكردية، فهي مدعوّة اليوم إلى مراجعة جادة وعميقة لطبيعة أدائها السياسي، وذلك عبر:

تطوير برامجها السياسية وأنظمتها الداخلية بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة الجديدة.

ابتكار آليات عمل حديثة تتجاوز الجمود التنظيمي، وتتخلص من الولاءات الشخصية والفئوية.

تسليم زمام القيادة للجيل الشاب من المثقفين وأصحاب الكفاءات العلمية، مع الحفاظ على دور القيادات السابقة كمرجعية استشارية، لا قيادية.

اعتماد مبدأ الشفافية والتداول السلمي للسلطة، وإفساح المجال للتقاعد السياسي لمن لم يعد قادراً على العطاء، فالساحة السياسية ليست امتيازاً شخصياً أو إرثاً عشائرياً، بل ميدان مسؤولية وعمل وممارسة ديمقراطية.
إن بناء مشروع وطني كردي ديمقراطي لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال وعي جمعي ناضج، ومؤسسات سياسية فاعلة، وجاليات مهاجرة تتحمل دورها التاريخي في نقل القضية الكردية إلى المحافل الدولية، بصورة حضارية تعبّر عن أصالة الشعب الكردي وطموحه المشروع في نيل الحرية والعدالة.