د.خيرالدين حسن

مر في ال22 من شهر تشرين الأول،الذكرى الحادية والأربعون لرحيل الشاعر الكردي الكبير جكرخوين،
لكن من قال إنه رحل؟
جكرخوين لم يمت، لأنه لم يعش في الجسد، بل في الكلمة التي لا تُدفن.

كان شاعرًا يعرف أن اللغة ليست وسيلة للتعبير، بل وسيلة للبقاء.
كتب بالكردية لأنها روحه، وكتب عن الأرض لأنها كانت وجعه.
وكتب عن الحرية لأنها كانت حلم كل طفلٍ كردي لم يعرف وطنه بعد.

قصيدته الشهيرة «كێنە ئەم؟ – من نحن؟» ما زالت تُتلى حتى اليوم.
تحوّلت إلى نشيدٍ وطنيٍّ غير رسميّ،
تغنّى بها الأجيال بصوت الفنان الكبير شفان برور،
فصارت القصيدة أغنية،
وصارت الأغنية ذاكرةً لا تموت.

أتذكّر جيدًا ذلك اليوم…
كنت في الصف السابع في مدرسة خالد بن الوليد في تربسبية.
لم يأتِ أيّ من المدرسين الكرد إلى المدرسة،
ولم أفهم وقتها ما الذي يحدث.
بعدها عرفت أنهم جميعًا ذهبوا في جنازة جكرخوين.
لم يكن مجرد شاعرٍ يودّعونه،
بل رمزًا يودّعونه واقفًا.
ومنذ ذلك اليوم، فهمت أن الكلمة يمكن أن تكون جنازةً وشعبًا في الوقت نفسه.

جكرخوين لم يكن يكتب ليرضي الملوك،
بل ليرفع رأس الفقير والعامل والمنفيّ.
كان يعلّمنا أن الشعر ليس زينة الكلام، بل صرخة الوعي،
وأن من لا يكتب بلغته، يعيش غريبًا حتى في وطنه.

اليوم، بعد واحدٍ وأربعين عامًا على غيابه الجسديّ،
ما زال جكرخوين يعيش في أصواتنا، في أغنياتنا، في مدارسنا،
وفي كل قلبٍ يؤمن أن الهوية لا تموت مادام الشعر حيًّا.

سلامٌ لروحك يا جكرخوين،
يا من جعلت القصيدة سلاحًا من نور،
وجعلت الشعر بيتًا يسكنه شعبٌ بأكمله.

“من لا يعرف لغته، لا يعرف نفسه،
ومن لا يعرف نفسه، لا يعرف إنسانيته.”