وليد طاهر

الاغتراب ليس مجرد ابتعادٍ عن أرضٍ أو وطن، بل هو تجربة وجودية يعيشها الإنسان في صميم ذاته. فهو شعور مزدوج بالانفصال، انفصالٍ عن المكان الذي انتمى إليه يومًا، وانفصالٍ عن نفسه التي لم تعد كما كانت. فالإنسان المغترب لا يهاجر بجسده فحسب، بل يهاجر بذاكرته وأحلامه ومشاعره، ليعيش حالة من التمزّق بين ماضٍ يسكنه وحاضرٍ يسكن فيه.

إن الاغتراب، في جوهره، انعكاسٌ لعجز الإنسان عن التوفيق بين ما يريده أن يكون وما يُجبر على أن يكونه. هو صراع بين الحرية والضرورة، بين الحنين والانتماء الجديد، بين الذات التي تبحث عن معناها والواقع الذي يسلبها هذا المعنى. ولهذا، فالاغتراب ليس حالة اجتماعية فحسب، بل هو حالة فلسفية تمسّ كينونة الإنسان ووعيه بذاته في العالم.

ويكشف الاغتراب عن هشاشة الوجود الإنساني، وعن الحاجة الدائمة إلى الجذور، مهما اتسعت الأرض أمامنا. فالوطن ليس مجرد حدودٍ جغرافية، بل هو حالة من الانسجام بين الإنسان وذاكرته، بين المكان والهوية. وعندما ينكسر هذا الانسجام، يصبح الإنسان غريبًا حتى عن ملامحه، يبحث في المرايا عن وجهٍ يعرفه ولا يجده.

وهكذا، تُعلّمنا فلسفة الاغتراب أن الإنسان كائن يبحث عن ذاته في كل مكان، لكنه لا يجدها إلا حين يتصالح مع جذوره. فالغربة الكبرى ليست أن تبتعد عن وطنك، بل أن تفقد الإحساس بالانتماء، حتى لو كنت في قلبه.