وليد طاهر
في زمنٍ تتشابه فيه الأقنعة، يصبح التفريق بين المناضل الحقيقي والمُتاجر بالقضية عملاً يحتاج إلى بصيرة أكثر من الشعارات. هناك من يملؤون الساحات بالضجيج عن الحرية والكرامة، لكنهم عند أول اختبارٍ يسقطون في وحل المصلحة، كمن يبيع تاريخه مقابل مقعدٍ في ظل سلطةٍ فاسدة أو منصبٍ يبرر خنوعه.
بعض القيادات الكردية السورية اليوم ليست سوى نموذج صارخ لهذه المعادلة: يتحدثون باسم الشعب، لكنهم لا ينتمون إليه إلا بقدر ما تتيح لهم اللحظة السياسية من مكاسب. يتشدّقون بالنضال، بينما يُمارسون أبشع أنواع الانتهازية خلف الكواليس. يرفعون راية الهوية الكردية، ثم يطعنونها خلسة حين تتعارض مع مصالحهم الضيقة.
إنهم الجبناء الذين أنتجهم زمن الجبن والمواءمة؛ أولئك الذين لم يُختبروا في ساحات الخطر، بل في مكاتب التفاهمات والصفقات. يسعون وراء الكاميرات أكثر مما يسعون وراء الحقيقة، ويتقنون فنّ التمثيل الوطني في الوقت الذي يُفرّغون فيه القيم من معناها.
أما أولئك الذين دفعوا أثماناً باهظة من أعمارهم ودمائهم لأجل الكرامة والحرية، فقد صاروا في نظر هؤلاء “عقبةً” يجب إزاحتها. يُشوَّه تاريخهم، وتُقلب بطولاتهم، لأن وجودهم يُذكّر المزيفين بمدى خوائهم.
هذه ليست أزمة قيادة فحسب، بل أزمة أخلاق وانحدار ضمير. حين يصبح الصوت الأعلى هو صوت المنافق، وحين تُكافأ الخيانة بلقب “حكمة سياسية”، ندرك أن القضية لم تُسرق فقط، بل تم اغتيالها على يد من ادّعوا حمايتها.
إن التاريخ لا يرحم، والذاكرة الشعبية لا تمحى. وسيسقط هؤلاء كما سقط غيرهم، لأن من خان الحقيقة مرة، سيُدفن في مزبلة التاريخ إلى الأبد، مهما طال تصفيق المأجورين حوله.
