Beshir Shekhee
منذ ثلاثين عامًا وأنا أقرأ كل ما تقع عليه يدي: أشعار، روايات، اقتباسات، جمل فلسفية، وأقوال مأثورة.
أُعجبتُ بالكثير منها، لأنها خرجت من قلبٍ حيّ، من تجربةٍ حقيقية، فكانت جديدة عليّ، وغيّرت فيَّ الكثير.
وما زلت متأثرا بعمقهم الفلسفي وقوة تعبيرهم ورسالتهم..
اما اليوم وبالرغم من اننا صرنا في عصر التكنولوجيا؛
و يمكنك أن تقرأ أو تستمع لأي رواية حديثة تريدها بضغطة زر،
لكنني كلما قرأت أكثر، ازددت قناعة بأنهم لم يأتوا بجديد.
كل شيء أصبح إعادة تدوير لأفكار قديمة وألحان مستهلكة،
لغة مزخرفة بلا روح،
وشعر يكرر نفسه كما تُعاد أغنية باللحن ذاته، فقط بكلماتٍ مختلفة.
-كثير من الكتّاب اليوم يكتبون كما لو أنهم في حلبة لغوية،
كلٌّ يحاول أن يُدهش الآخر ببلاغته،
لكنهم جميعًا يعزفون اللحن نفسه الذي بدأه الأوائل.
وكأن من يجرؤ على خلق نغمة جديدة يُحاكم:
بتهمة «هذه ليست قصيدة،» أو «ليست رواية!»
بينما القارئ الحقيقي، ذلك الكائن الصامت في الظل،
لا يبحث عن الزخرفة… بل عن الدهشة الحقيقية،
عن جملةٍ تُخرجه من تلك القوقعة التي تحوّلت إلى قانونٍ غير مكتوب للأدب.
-الأدب الحقيقي لا يكفي أن يُدهشك،
بل يجب أن يعرّيك،
أن يجعلك تنشرِد في أفكارك وتراجع نفسك.
لا يقول لك: «انظر كم أنا بارع في اللغة»،
بل يقول: «انظر كم أنت هشّ… وكم أنت حيّ.»
الكاتب العظيم لا يكتب ليتفاخر بقدرته على ترتيب الجمل،
بل ليهدم شيئًا في داخلك،
ثم يتركك تعيد بناء نفسك بطريقةٍ أخرى.
-الذين يبقون في الذاكرة ليسوا الأجمل لغةً،
بل الأصدق وجعًا.
الذين كتبوا من جرحٍ مفتوح، لا من قاموسٍ مزخرف.
أولئك حين تقرأهم، لا تعرف إن كنت قرأتهم… أم أنهم قرأوك.
-اللغة ليست غاية،
بل وسيلة للعبور إلى ما وراءها.
حين يكتب الكاتب جملة فلسفية،
يجب أن تكون منبثقة من تجربة عاشها، لا فكرة اقتبسها.
فالكلمات التي لا تأتي من تجربةٍ،
تبقى كلماتٍ فارغة، حتى لو كانت من ذهب.
الجملة التي تهزّك ليست المزخرفة،
بل تلك التي تأتيك كصفعة من روحٍ نزيهة.
تجعلك تسكت وتعيد التفكير في حياتك،
لأنها قالت ما كنت تخاف قوله.
الأدب الذي نحتاجه ليس أدب التقليد،
بل أدبٌ بلحنٍ جديد وروحٍ جديدة.
نحتاج كاتبًا يعرّي الفكرة لا يلمّعها،
وكلمةً تَثقب القلب لا تُدهش العين.
كثيرون يكتبون نصوصًا جميلة،
لكن قليلين يكتبون نصوصًا صادقة.
والفرق بين الجمال والصدق
كالفرق بين اللهب والرماد:
الأول يضيء… والثاني يتجمّل بعد أن انطفأ.
الكلمة التي لا توقظ شيئًا في القارئ…
هي خيانة للكتابة نفسها.
