د.حمزة عيسى
في الآونة الأخيرة، تتصاعد حملة منظمة وممنهجة عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية، تستهدف بشكل واضح المكون الكردي في سوريا، وتعمل على تشويه صورة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في إطار خطة مدروسة تهدف إلى ضرب النسيج الاجتماعي لمناطق كردستان سوريا، وتقويض المكتسبات السياسية والعسكرية التي تحققت بفضل تضحيات أبنائها في مواجهة الإرهاب والتطرف.
إن المتتبع لطبيعة الخطاب المتداول عبر هذه المنصات يلحظ أنه لا ينطلق من نقد موضوعي أو نقاش وطني، بل من حقد أيديولوجي وقومي موروث تحركه أطراف معروفة، بعضها مرتبط بأجهزة الدولة السورية وأذرعها الإعلامية، وبعضها الآخر من التيارات القومية العربية المتطرفة التي ترى في التجربة الكردية تهديدًا لبنية السلطة المركزية التقليدية.
هذه الحملة لا يمكن قراءتها بمعزل عن التحولات الإقليمية والدولية، ومحاولات دمشق استعادة السيطرة الرمزية على المناطق الخارجة عن نفوذها من خلال أدوات الحرب الإعلامية بعد فشل الأدوات العسكرية. فالتضليل الإعلامي، وتكرار الأكاذيب، وتوجيه الرأي العام نحو الكراهية، كلها أدوات قديمة تُعاد صياغتها اليوم بوسائل أكثر حداثة تحت غطاء “الوطنية” و“السيادة”، بينما الهدف الحقيقي هو شيطنة الكرد وإضعاف مشروعهم الديمقراطي التشاركي.
إن قوات سوريا الديمقراطية التي تحاول بعض الجهات تصويرها كقوة انعزالية أو عميلة، هي في حقيقتها قوة محلية متعددة المكونات، تضم العرب والكرد والسريان والآشوريين والتركمان وغيرهم، وقد قدّمت آلاف الشهداء في سبيل تحرير الأراضي السورية من تنظيم داعش، في الوقت الذي كانت فيه أطراف أخرى تساوم على الأرض والشعب.
من هنا، فإنّ المطلوب من النخب السياسية والثقافية الكردية والعربية المتنورة على حدّ سواء، أن تتعامل مع هذه الحملات بخطاب عقلاني هادئ، يفضح التضليل دون الوقوع في فخ الرد الغريزي، وأن تُظهر للرأي العام المحلي والدولي أن القضية الكردية ليست قضية انفصال، بل قضية شراكة وعدالة واعتراف بالحقوق ضمن إطار وطني ديمقراطي جامع.
إن مواجهة هذه الحملات لا تكون بالصمت أو بالانفعال، بل ببناء خطاب أكاديمي رصين، يُبرز عدالة القضية الكردية ومشروعية نضالها، ويفضح الأساليب النفسية والإعلامية التي تُستخدم لإعادة إنتاج الكراهية.
فمن يهاجم الكرد اليوم، إنما يهاجم فكرة التعددية والحرية والمواطنة المتساوية، وهي القيم التي إن انتصرت، انتصر الجميع، وإن هُزمت، خسر الجميع.
