قهرمان مرعان آغا
تقع موصل على خط العرض 36.35 على إمتداد إحداثيات موقع حلب 36.20 بالنسبة للحدود السياسية التركية جنوباً ، والنظر إلى الخريطة تفيد إنهما تقعان على خط نظري واحد و تعتبر تركيا هذه المساحات مجالها الحيوي منذ تشكلها كدولة إشكالية سواء من حيث الجغرافيا أو السكان وتتذرع بحماية بأمنها القومي و ضرورة رسم منطقة آمنة لها ، لكنها في الواقع أصبحت تحكم هذه المناطق فعلاً و لا تخفي سراً بأنها قطعت أوصال الكريدور الكوردي بإتجاه البحر الأبيض المتوسط حيث تشرف قلعة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي في قمة الجبل على المياه الدافئة .
عين تركيا على الموصل :
منذ سقوط السلطنة العثمانية وتوزيع تركتها وفقاً لاتفاقية (سيفر/ 1920) وحرمان شعب كوردستان من استحقاقتها وبالتالي اعتماد اتفاق (لوزان/1923) ونشوء تركيا الكمالية ( الجمهورية التركية) وتثبيت حدودها السياسية الحالية ، كانت مسألة الموصل جزء من استمالاتها مع إنجلترا وفرنسا المنتدبتين على بلاد الشام والعراق، فبعد سلخ (لواء اسكندرونه – هاتاي) و آخر ترسيم للحدود مع سوريا 1937 , كانت عينها الأخرى على حلب .
لهذا عندما استولى مسلحي ( داعش ) على الموصل في 2014/6/10 ونظراً للصلة للوجستية بين الجانبين ، تفاجئ العراقيون بالحجم الكبير للقنصلية التركية في المدينة و عدد العاملين فيها ولم تكن إقامة القاعدة العسكرية التركية في بعشيقة ( قاعدة زيلكان العسكرية) القريبة سوى تدخل غاصب خارج حدودها و تبريراً لحقها التاريخي المزعوم في الموصل وما حولها ، بالمناسبة ذاتها لم يقترب تنظيم (داعش) من هذه القاعدة لا من قريب أو بعيد .
عين تركيا على حلب :
في الجانب الآخر من العين الأخرى ، عندما اشتد القصف الروسي والحصار على حلب الغربية وخضوع تركيا التام لإملاءات الروس إثر إسقاط طائرة (سوخوي 24) الروسية في 2015/11/24 , بدأت المساومات بين الجانبين على حساب الدم السوري وبالتالي سقوط حلب الغربية واستيلاء النظام والميليشيات الداعمة لها على معظم مناطق حلب وريفها في شهر /12 من عام 2016 و ما تلا ذلك من تبادل المنفعة في جولات استانا( 2017 نسخة/1- 2024 نسخة /24) و بالتزامن مع فترة الرئيس الأمريكي ترامب تمكنت تركيا من كحل عينها برؤية حلب من بعيد من خلال احتلال منطقة عفرين الكوردستانية(ربيع /2018) واستكملتها بإحتلال سرى كانية وكرى سبي (2019) . فأصبحنا وجهاً لوجه أمام تضاريس متحركة تمس مساً مباشراً بالوجود الكوردي في جغرافيته الطبيعية والبشرية في سوريا .
كما هو السائد ، العبرة بالنتائج ،تمكنت تركيا منذ الاجتياح الروسي لاوكرانيا من التصرف ببراجماتية في معظم الاتجاهات رغم الازمات الاقتصادية والسياسية ،(انقلاب2016) التي مرت بها و رغم الحظر الأمريكي والاوروبي أصبحت مطاراتها وموانئها منصات للإلتفاف على العقوبات الدولية على كل من روسيا وإيران وتمكنت اخيراً رغم توسلات الرئيس التركي للقاء رئيس النظام ، من قلب الموازين لصالحها بالإستفادة من المتغيرات في المنطقة بعد 7 اكتوبر / 2024 إثر حرب إسرائيل في غزة و لبنان .
وصلت سمعة تركيا إلى أدنى درجة بالنسبة للمعارضة السورية في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) في محافظة أدلب ، بسبب قصف الطيران الروسي و طيران النظام طيلة جلسات مسار أستانا وتعرضت نقاط تمركز الجيش التركي في ما يسمى مناطق خفض التصعيد إلى الإزلال ، بسبب تعرضها لهجمات النظام و بقائها حارساً لمنع الاشتباك ، يبدوا أنَّ هيئة تحرير الشام تجاوزت الاملاءات التركية ونفذت تهديدها بإجتياح مناطق سيطرة النظام في توقيت زمني غير متفق عليه ، لا شك أن تركيا بوجود جيشها واستخباراتها وموسساتها العسكرية والمدنية ومرتزقتها من الجيش الوطني العائد للإئتلاف السوري ، يملك الملف في شمال سوريا بالكامل، لكن هذا لايعني خروج بعض الفصائل من سطوتها، بسبب توسع رقعت الحرب . لهذا كان سقوط حلب بيد هيئة تحرير الشام إثر عملية (ردع العدوان) تسهيل لها ولمرتزقتها بإجتياع مناطق الريف الغربي لمحافظة حلب ( تل رفعت) في اليوم الثالث من بدء العمليات والتي أسموها بإسم مغاير( فجر الحرية) وبهذا حصلت تركيا بالمجان على منطقة آمنة يحرسها جماعات مرتزقة سوريين ، عناوينها أسماء أشخاص جاؤوا من بيئات اجتماعية بائسة ، استثمرا فيها نظام الأسد و كذلك تنظيم(داعش) افكارهما الإرهابية ، واصبح الرئيس التركي أردوغان ، كعادته يكرر ويشير إلى أنه قطع اوصال الكريدور الكوردستاني إلى البحر الأبيض المتوسط .
البحث عن الذرائع أصبح تحصيل حاصل :
تمكنت تركيا تحديداً و غيرها وخاصة تحالف الشر في استانا من ترويج مصطلحات من قبيل وحدة الأراضي السورية – المنظمات الإرهابية- الأحزاب والحركات الانفصالية الكوردية -… إلخ و أنجرَّت معهم معظم الفصائل العسكرية و السياسية للمعارضة السورية ، في المقابل الشعب الكوردي في كوردستان الغربية / سوريا ، يعلم حق اليقين قبل غيره بأن مشروع الإدارة الذاتية وكذلك تحركات( قسد) العسكرية أو(مسد) السياسية هي خارج الإطار القومي الكوردستاني وأن مشروعهم ينحصر في إطار وحدة سوريا وحقوق شعوبها ومكوناتها وعيشهم المشترك و يأتي تعاونهم مع قوات التحالف الدولي/ الأمريكي في هذا الاتجاه ، رغم ذلك الشعب الكوردي وحركته السياسية يدفع ثمن الاتهام الباطل بمجرد مطالبته بحقوقه القومية المشروعة وخصوصيته الثقافية و يصتدم بالفكر القومي الشوفيني لغاصبي كوردستان ، لهذا فإن هروب تركيا وإيران نحو خارج حدودهما لا يعفيهما من استحقاقات الداخل وبخاصة حل القضية القومية الكوردية حلاَ سلمياً عادلاً .
تناقضات الواقع بين الفعل والقول :
- التصريحات الإعلامية للرئيس التركي أردوغان وأركان حكمه تناقض الواقع بخصوص العلاقة الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل.
- تصريح وزير خارجية اسرائيل الإعلامية بخصوص حقوق الشعب الكوردي في سوريا ، يتناقض مع الزيارات السرية الاسرائيلية إلى تركيا.
نقلاً عن موقع Euronews , عن صحيفة ( يديعوت احرونوت = آخر الاخبار) زيارة سرية لجهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي(الشاباك) إلى تركيا ، حيث التقى رئيس جهاز الاستخبارات التركي . هذا التناقض الاشكالي يكلف الشعب الكوردي مزيداً من الاتهام ، بينما العلاقة مع إسرائيل تحصل بوتيرة لا بأس بها مع دول الشرق الأوسط العربية والإسلامية. - الحفاظ على سيادة سوريا أرضاً وشعباً. الوصاية الايرانية والاحتلال التركي يفندان مزاعمهم ومن خلفهم روسيا .
- تطبيق قرارات مجلس الأمن ومرجعية جنيف و بخاصة القرارين 2118 لعام 2013 , بخصوص نزع السلاح الكيماوي والقرار 2254 لعام 2015 بخصوص الانتقالي السياسي للحكم في سوريا. يتناقض مع جولات استانا لدول محور الشر التي تسببت في طول أمد الازمة و قتل و تشريد ملايين السوريين .
- محاربة التنظيمات الإرهابية يتناقض مع إرهاب الدولة التي تمارسها محور استانا .
رغم هذه الجولات والتي كانت آخرها قبل السيطرة على حلب . التصارع على المصالح والنفوذ يسود العلاقات على أغلب المواقف بالنسبة لهذه الدول بإستثناء معاداة طموحات الشعب الكوردي في الحرية و الكرامة كما كانت شعار الثورة السورية السلمية في عامها الأول 2011 .
الوضع الميداني- الصورة أصدق انباءاً من الكتب :
اسباب انهيار جيش النظام وحلفائه وداعمية معروفة ، ما آل إليه الوضع في إيران و غزة ولبنان وكذلك ضعف روسيا بسبب الحرب في اوكرانيا ، حيث جاء تصريح الرئيس الأمريكي بايدن بعد الهجمة الصاروخية الروسية على أوكرانيا، بأن مساعدة اوكرانيا أصبح أكثر إلحاحاً من قبل . لهذا رأى الأمريكان والاوروبيين فرصة لإضعاف موسكو في سوريا ، حيث يحملون النظام و حلفائه بالمماطلة في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية ، في حين إنهم يماطلون أكثر من النظام على بقائه من عدمه .
بإعتقادي سيسبب عودة اللاجئين والمهجرين سواء من تركيا او من الداخل السوري مزيداً من الازمات ، بسبب انهيار البنية التحتية لمعظم المدن السورية والارياف ، صورة أرتال السيارات التي تحمل اللاجئين من أبناء وبنات الشعب الكوردي من مناطق الشهباء والمهجرين قسراً من عفرين ، تفيد أن صراعات الدول الإقليمية انتقلت في جزئياتها الثأرية لكل سوري حمل السلاح واستقوى بها في وجه المدنيين ، بذريعة اختلاف القومية والمذهب والدين .
وستعج حلب الشهباء بالسكان أكثر من طاقتها في ظل تثبيت تقاسم مناطق النفوذ ورسم خطوط التماس من جديد ، حيث كل الطرقات ستكون مغلقة بحواجز بينية ، بإستثناء الاتجاه شمالاً نحو مناطق الاحتلال التركي ، إنطلاقاً من كراجات حلب، حيث تكون سالكة و مفتوحة ذهاباً وإياباً ولكن دون اجتياز الحدود الدولية بلا فيزا وجواز سفر سوري ، سواء كان آلية السفر باص (هوب هوب) أو دبابة سوفياتية قديمة ( تي54) .
في 3/ ك1 ديسمبر / 2024 .