عبدالباقي اليوسف

في خضم التغيرات المتسارعة التي تشهدها سوريا، تبرز أهمية الإجماع الكوردي كضرورة ملحة لضمان مستقبل الشعب الكوردي ومشاركته الفاعلة في بناء سوريا الجديدة. فالاتفاقات الحزبية كما ذكرناه في منشور سابق، بطبيعتها، تقتصر على قضايا محددة، وقد لا تعكس بالضرورة آراء جميع فئات المجتمع، وغالبًا ما تحمل طابعًا مرحليًا أو تكتيكيًا. في المقابل، يمثل المؤتمر الوطني الشامل فرصة تاريخية لتحقيق إجماع وطني حقيقي، إنه المنصة الأمثل لبناء رؤية وطنية مشتركة لمستقبل الشعب الكوردي ومستقبل سوريا، ولإرساء أسس مرحلة جديدة من العمل الوطني، أكثر مصداقية وتمثيلًا.
رغم أهمية المؤتمر الوطني، هناك عدة أسباب تعيق وحدة الصف الكوردي في سوريا، وتؤثر على انعقاد المؤتمر المزعوم. فبعيدًا عن مشكلات السياسة الكوردية الداخلية في غرب كوردستان، التي تعاني من غياب المنافسة السياسية الحقيقية والصراعات الداخلية، تلعب القوى الإقليمية والدولية دورًا مؤثرًا في الشأن الكوردي السوري، وقد تتعارض مصالح هذه القوى مع وحدة الصف الكوردي. وتعتبر تركيا من أبرز هذه الدول، حيث تسعى إلى عرقلة أي تقارب بين الأحزاب الكوردية، خوفًا من أن تشجع المكاسب السياسية أو الحكم الذاتي للكورد سوريا كورد تركيا على المطالبة بحقوق مماثلة.
وبناءً على هذه المخاوف، تمارس تركيا ضغوطًا كبيرة على القوى الدولية والإقليمية، وبعض القوى الكوردية، لعرقلة أي تقارب بين الأحزاب الكوردية في سوريا. فهي تخشى من انعقاد مؤتمر وطني شامل يتبنى رؤية موحدة لمصالح الشعب الكوردي، ويساهم بفعالية في بناء سوريا الجديدة. فمثل هذا المؤتمر سيحظى بدعم دولي، وسيغلق الباب أمام تركيا لتقديم قوى حزبية موالية لها كطرف مفاوض باسم الكورد.
لذلك، تعمل تركيا جاهدةً على تأخير الإجماع الكوردي، من خلال أدواتها المختلفة، لتحقيق هدفين رئيسيين: الأول، زيادة نفوذها على قادة سوريا الجدد، والثاني، منح هؤلاء القادة الوقت الكافي لتثبيت نظامهم، وحرمان الكورد من أي مكاسب حقيقية.