تعتبر الدساتير الإطار الأساسي المستقر للنظام السياسي في الدول ، لهذا فإن الديمقراطية و تداول السلطة والاحتكام للشرعية الدستورية والقانونية تعمل على ترسيخ تلك الاحكام والمواد في أذهان الناس وفي وجدانهم وعقولهم ، أكثر من النص المكتوب ، كما أنّ التحولات السياسية العاصفة وعدم الاستقرار السياسي والمجتمعي لها تأثير عكسي على العملية بمجملها ، لذلك جاءت معظم الدساتير التي أقرت في الشرق الأوسط وبقية الدول التي حكمتها العسكر بعد الاستقلال ، جاءت لشرعنة الاستبداد و الإستفراد بالحكم ولم تؤسس للحكم الرشيد ، لهذا فإن معظم الانقلابيين كانوا يشرِّعون مواد الدستور وفق توجهاتهم و بالتالي بقيت مجرد كُرّاس ، تُبرر الجرائم وتُبدع في التضييق وحصار الإنسان( المواطن) بالأحكام العرفية واللوائح التنفيذية ، أما الشعوب الحيّة والتي احتكمت للديمقراطية في الحكم وتداول السلطة وعملت على توسيع الحريات ، فلم يكن وجود الدستور من عدمه مقياساً لتطورها السياسي والاقتصادي ، كمستند مكتوب لبيان الحقوق و الواجبات و الالتزامات ، فالمملكة المتحدة ( بريطانيا العظمى ) ليست لديها دستور مكتوب في إطار زمني واحد ، بل جاء بالتراكم و بالتوازي مع حالة الديمقراطية والاستقرار السياسي ، مرجعه الأساس هو العرف الإجتماعي والسوابق القضائية و الإتفاقيات السياسية التي بموجبها تفصّل الأحكام وتصدر القوانين.
أنّ صدور الاعلان الدستوري من قبل رئيس الجمهورية للمرحلة الانتقالية السيد أحمد الشرع في 13رمضان 1446 – 13آذار 2025 والذي سيعتبر نافذاً بعد نشره في الجريدة الرسمية ، جاء مقدمته وشكله ومضمونه تكريساً للدساتير السابقة ، والتي تم الإشارة إليه في المقدمة ، بأنه منسجم مع روح دستور 1950 الذي تم تسميته بدستور ( الاستقلال ) هذا يعني بأن ذاكرة السوريين قد أصابها الوهن ، كما هو معلوم تم إقرار الدستور في ظل انقلاب عسكري ، قاده سامي الحناوي حيث كانت الأفكار والنزعات القومية سائدة ، بأبشع صورها الشوفينية في إطار تأسيس الدولة القومية في عموم المنطقة ، القائمة على الاحتواء وإلغاء الآخر المُختلف و التي طغت وحلّت محل الأفكار والرؤى والمصالح الوطنية ، وصولاً لانقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي العنصري الذي قاد البلاد (الدولة والمجتمع) الى الدكتاتورية والاستبداد وحكم الفرد ، من خلال منطلقاته القومية الكاذبة على حساب الوطنية الحقة التي طالت مفاعيلها السيئة حياة المواطن و مساحة الوطن والتي بموجبها أصدر الدكتاتور المجرم حافظ الأسد دستوره المشؤوم 1973 ، لغاية سقوط النظام في ظل حكم وريثه ودستوره الحالي لعام 2012 .
الشعب الكوردي في كوردستان الغربية/ سوريا ، منذ أن أُلحقت جزء من وطنه بسوريا ، بحدودها السياسية الحالية ، لم يجد نفسه شريكاً فاعلاً في منظومة الدولة السورية و كيانها السياسي ( الدستوري والقانوني ) فيما يتعلق بصورة أساسية بشكل الدولة ونظام الحكم ، لهذا فإن معظم المواد في الاعلان الدستوري والذي سيعقبه مجلس تشريعي ، لا تعبِّر عن المصير المشترك والانتماء الوطني ، حيث جاء معظم المواد لتدعيم فكرة العروبة و تكريس حكم الفرد من خلال النظام الرئاسي ، المحصور لمعظم الصلاحيات ولا تعبِّر عن تطلعات وتضحيات جماهير الشعب السوري التي خرجت من أجل الحرية والكرامة و التغيير ، على عكس النظام البرلماني الذي يعبِّر عن الشراكة و التنوع والاختلاف وبالتالي الاحتكام للعملية الديمقراطية التراكمية .
يبدو حتى هذا التحول السياسي المُفزِع ، إثر سقوط نظام البعث الأسدي في سوريا الذي دام أكثر من ستة عقود ، غير كافٍ للإعتراف بالآخر المختلف عرقياً ودينياً و طائفياً ، وتنظيم الحياة السياسية والقانونية في دستور عصري جديد يضمن حقوق الشعب الكوردي القومية المشروعة إلى جانب حقوق المكونات الأخرى ، على أسس ثابتة من العدالة والإنصاف، حتى يصبح إرثاً حضارياً في ظل الحريات الأساسية و العيش الكريم المشترك في إطار دولة لامركزية ، مدنية ، تعددية ، تشاركية في السلطة والثروة .
تجاهل الإعلان الدستوري التعددية السورية، وتنوعها العرقي والديني، وفشل في ضمان حقوق مكوناتها القومية والدينية. وبدلًا من ذلك، تبنى هوية قومية واحدة للدولة، مستبعدًا بذلك بقية المكونات بشكل واضح. كما يقوض فرض الفقه الإسلامي كمصدر وحيد لتشريع الحريات العامة، ويجعل حقوق المواطنين مقيدة برؤية دينية واحدة، مما يسيء إلى الأديان والمذاهب الأخرى، ويقمع التنوع الفكري والسياسي. كما أن حصر دين رئيس الدولة بالإسلام يتعارض مع تنوع الشعب السوري، ويقصي غير المسلمين من حق الوصول إلى الرئاسة.
لذا نحن في حراك خوى بون / Xwebûn , نؤكد رفضنا للإعلان الدستوري وما ورد فيه من مقدمة ومواد للفترة الانتقالية ونرى لزاماً على رئيس الجمهورية إعادة النظر وإضافة مواد تعترف بوجود الشعب الكوردي في سوريا كشعب أصيل ، تضمن حقوقه القومية المشروعة، من خلال التعديل الذي هو من صلاحياته حسب ما ورد من خلال الإحالة والإقرار إلى المجلس التشريعي المرتقب .
حراك خوى بون/ Xwebûn
قامشلو في 14 آذار2025