وفي خضم هذه الفوضى الدامية التي حوّلت البلاد إلى مناطق نفوذ وإمتيازات للقوى الإقليمية والدولية وتضارب المصالح و السياسات، إستطاع الكورد في معركتهم ضد الإرهاب إستقطاب إهتمام المجتمع الدولي، ولكن على الرغم من الدعم العسكري من التحالف الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، إلا أنه لم يترجم إلى دعم سياسي و تنمية إقتصادية وإجتماعية بما يحقق الإستقرار والأمن المستدام،وكذلك المطالبات بإجراء الإصلاحات المطلوبة في إدارة مناطق شرق الفرات لم تثمر عن نتائج مرضية ، تمهيداً للتغييرات المرتقبة لحماية المكتسبات على الأرض وضمان الدور الفاعل للكورد في سوريا المستقبل، إضافة إلى الحوار الكوردي،الذي مازال متعثراً، لتأثره بالمرجعيات الكوردستانية والخارجية وتباين مصالحها وأجنداتها، مما يساهم في إزدياد الفرقة و الإحباط لدى الشارع الكوردي، في ظل التهديدات المستمرة لتركيا وحلفائها في إئتلاف قوى المعارضة السورية بإجتياح المنطقة.
إن إستمرار دوامة الإنقسام والضعف والتشتت، وسياسات التفرد والهيمنة وإقصاء الآخر، كوردياً، أو التوجه نحو الساحات الأخرى من كوردستان وتعقيداتها كتهرب من الإستحقاقات النضالية، أدّت إلى تشوّه التعبيرات التنظيمية (السياسية و المدنية) في كوردستان – سوريا، وإلى إنسداد الآفاق السياسية أمام الجماهير الكوردية ونخبها الفكرية والثقافية، مما دفع بالإنخراط في دوائر العبث و التشاؤم أو الإنشغال بالخصوصيات الكوردستانية في الأجزاء الاخرى والخضوع للإملاءات السياسية او التبعية العمياء.
ولتجاوز الراهن السياسي الكوردي، الذي يعاني من أزمة بنيوية مقلقة، يستلزم إمتلاك الإرادة الحرة والجامعة للمشاركة بقوة وفعالية في الجهد الدولي القائم برعاية الأمم المتحدة، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الخاص بإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية وتشكيل هيئة حكم إنتقالية وصياغة دستور جديد لإنهاء معاناة السوريين، وتلبية طموحاتهم في الحرية والديمقراطية وبناء دولة القانون والمؤسسات، والعدالة في توزيع الثروات والسلطات، و الشراكة الحقيقية في الحكم، بما يتناسب مع التنوع القومي والديني والطائفي في البلاد.
إن التمثيل الوطني الكوردي الجامع، والمدرك لطبيعة المرحلة التاريخية وتحدياتها، المعبر عن طموحات شعبنا في كوردستان – سوريا وفق خصوصية أوضاعه، والمستند إلى قوة الجماهير ومساندتها، قادر على لجم الأصوات الشوفينية والعنصرية للمعارضة و النظام و داعميهم ، وإنتزاع الإعتراف بالشعب الكوردي كمكون أساسي وتثبيت حقوقه القومية دستورياً في إطار سوريا كدولة لامركزية سياسية.
إننا، كمجموعة من الكوادر السياسية والثقافية و الأكاديمية والفعاليات الشبابية ، أجرينا حوارات مطولة ومراجعات مستفيضة لتجربة العمل السياسي والتنظيمي، كضرورة تاريخية لتجاوز الحالة السياسية الراهنة ، بسلبياتها وثغراتها ، وإيجاد الأدوات والآليات المناسبة لتطوير العملية النضالية الكوردية، بما يحقق لشعبنا الحرية والديمقراطية على طريق تقرير المصير، وآثرنا الإعلان عن حراك XWEBÛN. ((خوى بون )) كحراك سياسي وفكري يهدف إلى إستقلالية القرار السياسي الكوردي في كوردستان – سوريا، بإعتبار أن شعبنا في هذا الجزء من كوردستان هو وحده مصدر الشرعية،وكذلك العمل على إعادة الإعتبار للشخصية القومية و النضالية الكوردية ، لتكون معبرة عن تطلعات شعبنا ومصالحه العليا الحقيقية ، وقادرة على تشكيل زخم جماهيري ورأي عام ضاغط للتغيير، عبر الحوار، لتنمية قدرات الفرد وقيمه الإنسانية ومداركه الفكرية ، و لرفع سوية العمل السياسي وروح المبادرة المنتجة.
كما نؤكد أن قضية الإنسان وقضية الحرية ومايترتب عليهما من حقوق وواجبات هي محور نشاطنا السياسي وأن إرادة الإنسان الفرد عندما تكون غير مقيّدة ستفضي بالنتيجة إلى بلورة إرادة حرة جامعة ومستقلة وأن أي تطور سياسي للقضية الكوردية في أي جزء كوردستاني، سيكون مكسباً قومياً، يستلزم دعمه ومساندته، على أرضية العلاقات الأخوية المبنية على الإحترام المتبادل، بعيداً عن سياسات التبعية أو التدخل وفرض الإملاءات، حفاظاً على المصالح الحيوية للشعب الكوردستاني .
وبالرغم من إدراكنا لصعوبة العمل السياسي، ضمن هذه البيئة الموبوءة بأدوات الحرب وسطوة المال والسلاح، فإننا نرى في حراك XWEBÛN كمشروع وطني كوردستاني قيد التأسيس ، أن الواجب يحتّم علينا، العمل على نشر الوعي السياسي والقانوني والحقوقي و مفاهيم العدل والإنصاف ، بين الأفراد والمجتمع، من خلال تنمية الإحساس بالمسؤولية، وبث روح التضامن في مواجهة الفرقة والتشتت و النزعات الأنانية ، لحماية الحقوق والقيام بالواجبات كإلتزام أخلاقي ووطني والعمل بكل الإمكانات والسبل للمشاركة في تنمية المجتمع المدني، والإحتكام إلى الديمقراطية و التعايش السلمي والمنافسة السياسية والإنتخابية، والدفاع عن حقوق المرأة وحماية الطفولة والحفاظ على البيئة ، والوقوف في وجه العنف بكافة صوره وأشكاله، للمساعدة على خلق بيئة مجتمعية آمنة، وتعزيز السلم الأهلي وإستدامته، والحفاظ على المؤسسات الفعلية القائمة في شرق الفرات والبناء عليها وتطويرها بمختلف المجالات، بما يضمن توفير مستلزمات الحياة الحرة الكريمة.
إننا في XWEBÛN ، وكوعي بطبيعة المرحلة ومستلزمات النهوض بها، نؤكد على الإنفتاح على جميع القوى السياسية الكوردية، و النخب الفكرية والثقافية والحركات الشبابية لردم الهوًة بين مقومات حل القضية الكوردية وحواملها الإجتماعية والتنظيمية، والتعامل بموضوعية مع مختلف القوى والفعاليات السورية، إرتكازاً على مبدأ الحفاظ على مصالح الشعب الكوردي الحيوية وفق خصوصيته القومية والثقافية، كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية.
إذ نؤكد بأن مصداقية العمل السياسي والنشاط العام وحل القضايا الأساسية، تتوقف على إنجاز هذا المشروع على الأرض وفي الواقع العملي بما يحقق الهدف منه حاضراً ومستقبلاً.
المجد والخلود للشهداء الأبرار
إيلول /سبتمبر 11. 9. 2021