يحتفل الأكراد في جميع مناطق وجودهم (تركيا وإيران والعراق وسوريا) والمهجر، في 22 من نيسان/أبريل من كل عام بيوم الصحافة الكوردية نسبة إلى ذكرى صدور أول صحيفة كوردية في القاهرة عام 1898.
مرت الصحافة الكوردية بمراحل مد وجزر نتيجة للظروف السياسية التي شهدتها المنطقة. فقد أدى نشر الكتّاب والمثقفين الأكراد مؤلفاتهم بلغات الشعوب الأخرى، إلى ضياع وانصهار نتاجهم الفكري في الثقافات الأخرى، فتأخرت نشأة الصحافة المعنية بشؤون الأكراد وقضيتهم القومية مقارنة مع شعوب المنطقة الأخرى مثل العرب والإيرانيين والأتراك.
أضف إلى ذلك، اتباع الحكومات المتعاقبة في مناطق توزع الأكراد، لنفس سياسات المرحلة العثمانية في إنكار حقوق شعوب المنطقة بذرائع مختلفة وخاصة في تركيا التي اتبعت سياسة التتريك بشكل ممنهج وبذلت مؤسساتها جهوداً كبيرة لإبراز وتضخيم دور العنصر التركي عبر التاريخ وطمس مساهمات القوميات الأخرى في المنطقة وعلى رأسهم الأكراد والأرمن.
الأسرة البدرخانية
جاءت الإنطلاقة الأولى للصحافة الكوردية من القاهرة في عام 1898، في فترة حكم الخديوي عباس حلمي الثاني (سابع من حكم مصر من أسرة محمد علي باشا).
أصدر صحيفة “كوردستان” الأمير مقداد مدحت بدرخان، ابن الأسرة البدرخانية، العريقة التي حكمت جزيرة بوطان، والتي تمتد جذورها إلى عام 1260، وكان آخرهم بدرخان باشا الذي حكم الإمارة حتى عام 1847، حيث كانت نهايته على يد ابن عمه يزدان شير الذي تحالف مع الدولة العثمانية في القضاء على الإمارة.
بعد القضاء على حكم البدرخانيين في الإمارة، تم إبعادهم جميعاً، حيث وُضع البعض منهم تحت الإقامة الجبرية في اسطنبول بينما تم نفي قسم من العائلة إلى مختلف أرجاء السلطنة العثمانية مثل جزيرة كريت ودمشق وعكا.
وعندما وصل الكماليون إلى سدة الحكم في عام 1922، أصدرت الحكومة التركية الجديدة أحكاماً بإعدام بعض البدرخانيين بتهمة محاولة الانفصال عن الدولة التركية، من ضمنهم أمين عالي بدرخان وأبناؤه الخمسة (ثريا وجلادت وكميران، وصفدار، وتوفيق)، فاضطروا جميعهم إلى الهرب خارج تركيا وتوزعوا بين عدة دول.
سافر أمين عالي ونجله الأكبر ثريا، إلى مصر، أما جلادت وكميران وتوفيق وصفدار فلجأوا الى سوريا ومنها إلى ألمانيا.
قفزة تاريخية
من منفاه في القاهرة، أصدر مقداد مدحت بدرخان (شقيق أمين عالي) صحيفة “كوردستان” باللغة الكوردية، اللهجة الكرمانجية، المستخدمة على نطاق واسع في تركيا وسوريا وأجزاء من العراق وإيران، ثم شملت اللهجة الصورانية أيضاً المستخدمة من قبل قسم من الأكراد في إيران والعراق.
كان مقداد يعلم أن النضال من أجل نيل الحقوق، لا ينحصر في خوض الحروب المباشرة، بل آمن بضرورة نشر الوعي بين أبناء جلدته أولاً، وتعريفهم بحقوقهم والمظالم التي يتعرضون لها فكانت انطلاقة صحيفة كوردستان خطوة في هذا الاتجاه فكان يتم تهريبها الصحيفة الى تركيا الحالية عبر سوريا.
لماذا القاهرة؟
كانت مصر في أواخر القرن التاسع عشر، في أوج عطائها الثقافي وبعيدة عن سيطرة العثمانيين. لذلك، كانت القاهرة بالنسبة لمقداد مدحت بدرخان وشقيقه عبد الرحمن، المكان المثالي لإصدار صحيفتهم ونقطة انطلاق مناسبة لنجاح مشروعهم السياسي والثقافي، بالإضافة إلى مساعدة الأسرة العلوية له لنشر أفكاره من هناك.
فكانت ولادة أول صحيفة معنية بحقوق الأكراد ولغتهم وحملت اسم “كوردستان” ، وصدرت من دار الهلال في القاهرة عام 1898 وسلطت الضوء على معاناة الأكراد ونشرت الوعي بينهم وحثتهم على الثورة والمطالبة بحقوقهم.
طُبعت ثلاثة آلاف نسخة من الصحيفة ووزع معظمها مجاناً في مناطق الأكراد وجرى نقلها إلى هناك عبر بيروت ودمشق بشكل سري.
لكن العثمانيين، أدركوا خطورة الصحيفة ودورها في صحوة الأكراد، فبدأوا يلاحقون القائمين على الجريدة مهددين حياتهم أينما حلوا لإيقاف الجريدة وإغلاقها، ما أدى إلى تغيير مكان صدور الصحيفة عدة مرات خلال أربع سنوات من حياتها، فكانت تتنقل بين مصر وبريطانيا وسويسرا.
وصدر العدد 31 والأخير منها، في جنيف عام 1902، لكنها لم تكن النهاية، بل أصبحت النواة الأولى لولادة صحف ومجلات كوردية لا تعد ولا تحصى في يومنا هذا.
دمشق وبغداد ومهاباد واسطنبول
كان القرن العشرين مليئاً بالثورات والانجازات والاخفاقات والانتكاسات بالنسبة للأكراد.
صدرت مجلة “روج” أي اليوم، في عام 1913، ثم صحيفة “تيكه يشتني راستي” (فهم الحقيقة)، في بغداد عام 1918، وأشرف عليها القائد العسكري البريطاني الميجر سون، الذي كان ملماً بقواعد اللغة الكُوردية بالتعاون مع الصحافي شكري الفضلي.
ومع تشكيل المملكة الهاشمية العراقية في عام 1921، صدرت عدة صحف في مدينة السليمانية مثل صحيفة “بيشكوتن” أي (التقدم)، و”بانكي کوردستان” أي (نداء كوردستان)، وغيرها، وساعد على ذلك وجود مطبعة في هذه المدينة التي جلبها الميجر سون البريطاني إليها.
وفي عام 1919 أصدر الطلبة الكورد في اسطنبول جريدة “جين” أي الحياة، باللهجة الكرمانجية مستخدمين الحروف العربية. كما أعاد الأمير ثريا بدرخان في نفس العام إصدار صحيفة “كوردستان” – التي كان قد بدأ عمه مقداد بإصدارها في القاهرة – في اسطنبول باللغتين الكوردية والتركية، وكانت تنشر بعض المقالات والقصائد الشعرية باللغتين الفارسية والعربية.
وفي دمشق، أصدر الأمير جلادت بدرخان في عام 1932، مجلة “هاوار” أي الصرخة. كانت هذه المجلة الأولى من نوعها، لأنها كانت أول مجلة تستخدم الأبجدية الكوردية اللاتينية وبموافقة الحكومة السورية آنذاك، ثم أصدر مجلة روناهي (النور) في عام 1943.
وثمة صحف أخرى لم تقل أهميتها عن سابقاتها مثل “روناكي” أي النور، التي صدرت في أربيل ومجلة “نيشتماني” التي صدرت في مهاباد بإيران وغيرها من المجلات والصحف في أذربيجان وأرمينيا ولبنان.
الأبجدية الكوردية اللاتينية
لعب الأمير جلادت بدرخان، دوراً كبيراً في نشر اللغة الكوردية وضبط قواعدها وحماها من الانصهار من خلال التركيز على أهمية اللغة ودورها في حماية ثقافة المجتمعات من الاندثار.
كانت سوريا قاعدة خصبة لنهضة فكرية من أجل تعريف الأكراد بحقوقهم كشعب من جهة وقاعدة لانطلاق التمرد ضد العثمانيين أولاً وتركيا الحديثة لاحقاً.
وعندما نفي أمين عالي بدرخان إلى عكا، بزعم حياكة مؤامرة ضد السلطان عبد الحميد، واصل أبناؤه الثلاث ثريا وجلادت وكميران نهج والدهم واستمروا في نشر الوعي بين أبناء جلدتهم.
وعلى الرغم من تعرض مجلة “هاوار” (الصرخة)، التي أطلقها الإخوة البدرخانيون في دمشق للإغلاق عدة مرات، إلا أنها كانت تنهض من جديد، ولاقت دعماً من السلطات الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية.
استطاع الإخوة البدرخانيون الذين درسوا في ألمانيا، من تأليف قاموس كوردي – فرنسي، بمساعدة المستشرقين الفرنسيين وضباط الانتداب الفرنسي (روجيه ليسكو وبيير روندو). وبذلك وحّد البدرخانيون القواعد والكتابة الحديثة للغة الكوردية (اللهجة الكرمانجية وبأبجدية لاتينية).
خلفية تاريخية (إمارة بوطان)
تمتد الجغرافيا التي ينتشر عليها الأكراد من كرمنشاه (الواقعة ضمن حدود إيران حالياً) شرقاً، إلى عفرين (الواقعة ضمن حدود سوريا حالياً) غرباً، ومن سيواس (الواقعة ضمن حدود تركيا حالياً) شمالاً ، إلى خانقين (الواقعة ضمن حدود العراق حالياً) جنوباً. كما تتوزع أعداد أقل في جنوب غربي أرمينيا.
تمتعت إمارة بوطان بحكم شبه مستقل في الفترة ما بين 1514- 1847 وكانت آخر إمارة تسقط بيد العثمانيين وأخر حكامها كان الأمير بدرخان عبدال خان في الفترة الواقعة بين 1821- 1847.
امتدت إمارة بوطان من الموصل (في العراق حالياً) جنوباً وسننداج (في إيران) شرقاً وديار بكر (في تركيا) غرباً.
في عام 1834، أطلقت السلطة المركزية العثمانية بقيادة محمد رشيد باشا، حملة لإعادة ضم الإمارات الخارجة عن سيطرتها واستعادة سوريا من محمد علي والي مصر، فاستطاعت وقتها السيطرة على بهدينان وسوران وبعدها جزرة أيضاً، لكنها هزمت أمام المصريين في معركة نزيب (نصيبين حالياً) في عام 1837.
وعلى إثرها، استطاع بدرخان بك إنشاء نظام أميري قبلي في جنوب شرق الأناضول، إلا أن العثمانيين استعادوا سيطرتهم على الإمارة في عام 1847وتم نفي بدرخان بك واسرته الى جزيرة كريت.
في عام 1865، سمحوا له بالاستقرار في دمشق هو وأسرته الكبيرة، حيث توفي هناك بعد ثلاثة أعوام.
تاريخ محاولات إقامة دولة كوردية
شهد القرن العشرون عدة محاولات لإقامة دولة كوردية باءت جميعها بالفشل وهي:
- مملكة كوردستان :أقيمت في مدينة السليمانية في كوردستان وريفها عام 1922 بقيادة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي، ودامت سنتين حتى تحركت القوات البريطانية مدعومة بالطيران وسيطرت على السليمانية وأنهت سيطرة البرزنجي.
- كوردستان الحمراء: لم يشكل الوجود الكوردي في المثلث الأرمني الروسي الأذربيجاني قوة يمكن الاعتماد عليها، لكن هذه الدول الثلاث استخدمت الورقة الكوردية لتحقيق مصالحها، ودفع الأذريون الأكراد إلى إعلان جمهورية كوردستان الحمراء التي امتدت من عام 1923 إلى 1929 في ناغورنو كاراباخ، وهي منطقة هامة تقع بين أرمينيا وأذربيجان.
- جمهورية آرارات: خاض الأكراد سلسلة من المواجهات مع تركيا بدأت بثورة في مناطق جبال آرارات باسم “ثورة آغري” عام 1930، بقيادة إحسان نوري باشا (1896-1976) الذي أعلن ثورة عارمة في وجه الدولة التركية، وأعلن مناطق جبال آرارات دولة كوردية مستقلة، ليدخل في حرب ضد الدولة التركية انتهت بسقوط هذه الجمهورية.
- جمهورية مهاباد: بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أسس الأكراد في إيران مهاباد، التي سقطت سريعاً بسبب غياب الدعم العشائري ومناهضة الإقطاعيين لها.
- جمهورية لاجين: التجارب الكوردية في تلك المنطقة الواقعة بين أذربيجان وأرمينا لم تتوقف واستمرت ليصدر عام 1992 إعلان جديد عن ولادة جمهورية لاجين الكوردية برئاسة وكيل مصطفاييف، ولكن لم يكتب لها النجاح وانهارت بسرعة فلجأ مصطفاييف إلى إيطاليا.
- المصدر BBC NEWS عربي