بعد مرور أكثر من 3 سنوات على هزيمته، لا يزال مصير الآلاف من ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا، غير معروف، بينما تسعى منظمات لتوثيق جرائم التنظيم المتطرف التي ارتكبها بين 2013 و2017.

في تقرير نشره الخميس، قال المركز السوري للعدالة والمساءلة ومقره واشنطن، إن انتهاكات داعش تدخل ضمن نطاق الجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بل وحتى الإبادة الجماعية في بعض الحالات، مؤكدا على حق عائلات المفقودين والضحايا من قتلى داعش في “معرفة الحقيقة بشأن مصير أحبائها”.

التقرير الذي جاء في 48 صفحة، بعنوان “إحياء الأمل: البحث عن ضحايا داعش من المفقودين” قال إنه تم اكتشاف ما يقرب من 6 آلاف جثة في عشرات المقابر الجماعية التي أقامها داعش في شمال شرق سوريا.

ويشكل هذا الرقم، ما يقرب من نصف العدد الإجمالي للأشخاص المفقودين في الشمال الشرقي لسوريا، وفقًا للتقرير، على الرغم من اختلاف تقديرات المفقودين، بين منظمة حقوقية وأخرى.

وثق المركز السوري للعدالة والمساءلة في تقريره، ولأول مرة، الشبكة الواسعة من مراكز الاحتجاز التي كانت مسرحا لحالات الاختفاء التي تورط فيها تنظيم داعش.

وكانت الأجنحة المختلفة للتنظيم تستخدم بشكل منهجي هذه الشبكة المكونة من 152 مركزًا ومعسكرا تدريبيا وسجونا أمنية سرية لاعتقال المدنيين المختطفين وأعضاء الجماعات المسلحة المنافسة.

وفي بعض الحالات، قتل العديد من الأشخاص حتى قبل إصدار أحكام الإعدام من قبل هيئات التنظيم المستحدثة، حيث كان يتم تنفيذ “الأحكام” بإجراءات موجزة.

وأدرج المركز السوري للعدالة والمساءلة في تقريره 33 مركز احتجاز في مدينة الرقة وحدها.

المركز كشف في سياق تقريره المفصل أن بعض الجناة لا يزالون على قيد الحياة في سجون قوات سوريا الديمقراطية ولديهم القدرة على التعرف على رفات الضحايا، بينما عاد البعض الآخر إلى بلدانهم الأصلية بعد نهاية الحرب في سوريا والعراق.

التقرير رجح ألا يتم طي ملف داعش قبل البت في ملف المفوقيدن بالقول “لا يمكن ضمان الهزيمة الدائمة للتنظيم دون تحقيق العدالة لضحايا جرائمه بمن فيهم المفقودين”.

اعتمد المركز السوري للعدالة والمساءلة على مزيج من الشهادات الشفوية والمستندات التي حصل عليها خلال العام الماضي، وكشف في تقريره أنه التقى 221 عائلة من أسر المفقودين و21 مقابلة مع شهود أو ناجين من سجون داعش و12 مقابلة مع منتمين سابقين للتنظيم وشهود مطلعين على تفاصيل عمليات التنظيم المتطرف.

مراكز الاحتجاز
انتقل التقرير خلال العرض المفصل لطريقة عمل داعش التي أفرزت ملف المفقودين إلى الحديث عن أنواع مراكز الاحتجاز التي تساعد معرفتها وتحديد صلاحياتها في معرفة مصير هذا المفقود أو ذاك.

وكشف ثلاثة أنواع رئيسة لتلك المراكز، وهي مراكز الحسبة التي كانت الأكثر انتشارا على اعتبار أنها كانت تضم أشخاصا ارتكبوا مخالفات بسيطة في نظر التنظيم مثل التدخين أو التلفظ بكلمات نابية، ومراكز الشرطة الإسلامية التي كان يسجن بها أشخاص تم تطبيق قانون داعش المدني والجنائي في حقهم، وفق التقرير ذاته.

أما المركز الرئيسي الثالث الذي مر به المفقودون فهو السجون الأمنية.

والسجون الأمنية كانت تستخدم لاحتجاز المعتقلين الذين ّيعدهم التنظيم من ذوي الأهمية السياسية أو يشكلون تهديدا له.

مراكز الاحتجاز التابعة لداعش
ووثق المركز السوري للعدالة والمساءلة 21 مركزا أمنيا في كل من حلب والرقة والحسكة ودير الزور.

كما وضع المركز سجون النساء كمركز رئيسي آخر، كان وراء اختفاء عدد من المفقودين من النساء.

الاعتقالات ونقل المعتقلين
بالنسبة للكثير من المفقودين كان تاريخ ومكان الاعتقال هي المعلومات الأخيرة التي توفرت عن هؤلاء الأشخاص، ولذا فهي معلومات هامة لتحديد مصيرهم.

“لقد كان داعش يعتقل الناس في سياقات مختلفة؛ حيث يأخذهم من المدن في وضح النهار، ومن المنازل خلال مداهمات ليلية ومن الحواجز بين المناطق الإدارية المختلفة الواقعة تحت سيطرته.

“تمت معظم الاعتقالات التي وثقها المركز السوري للعدالة والمساءلة في وسط المدن الرئيسية كمدينة الرقة والشدادي، وهذا سبب وجود شهود على الاعتقال” يقول التقرير.

وإن كانت مراكز الاحتجاز أول النقاط التي كان يختفي بها المفقودون، فإن عمليات نقل المعتقلين والأهالي، تسببت كذلك في فقد أثر الكثير ممن لا يعرف لهم مصير اليوم.

يقول تقرير المركز إن أطول وأوسع سلسلة من التنقلات التي وثقها تتعلق بالمعتقلين الذين بدا أن داعش كان ينوي استخدامهم في عمليات تبادل السجناء، قبل أن يتم حجزهم ثم اختفاء أثرهم

يقول التقرير: “كان قرار النقل الأهم هو نقل المعتقل إلى سجن أمني ليختفي كل أثر له بعد ذلك”.

خطوات البحث عن المفقودين
بدأ البحث عن ضحايا داعش من المفقودين، وفق التقرير، منذ هزيمة التنظيم الميدانية في 2018 و2019، وهي جهود ّ لم يتمخض عنها سوى نتائج محدودة، بحسب القائمين على المركز.

وبداية، قادت عائالات المفقودين منفردة، بدعم من بعض منظمات المجتمع المدني، عملية البحث عن المفقودي “بسبب إخفاق السلطات المحلية في تولي هذه المهمة، حيث لم تقم الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، مثلا، سوى بجهود متفرقة لتناول ملف المفقودين” يقول التقرير.

المركز كشف في سياق الحديث عن خطوات تحديد مسار المفقودين التي بدأها منذ نحو ثلاثة أعوام، أنه بدأ بانتشال عدد من الجثث شكلت نسبة مهمة من المفقودين، حيث تم تشخيص هوية أغلبهم، ثم انتقل لعرض طرقه وأساليبه التي تهعدف لتحديد مصير آلاف المفقودين الآخرين.

الطب الشرعي.. لمعرفة هوية جثث داعش المدفونة منذ سنوات
وقال إن الخطوة التالية تتمحور حول الطب الشرعي الذي سيمكن فريقه من معرفة هوية الجثث، وكشف مصير أصحابها.

وبنهاية التقرير، قدم المركز جملة من التوصيات للسلطات المحلية والمجتمع الدولي قصد توعية الجميع بضرورة المساهمة في كشف جرائم داعش ومعرف مصير المفقودين والعدد الحقيقي لضحاياه خلال فترة نشاطه التي دامت أكثر من ثلاثة أعوام.

-موقع قناة الحرة