ألغت المحكمة الدستورية التركية العديد من صلاحيات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وسحبت منه سلطة إصدار المراسيم بقوانين تعد تدخلاً في استقلالية مؤسسات الدولة، وذلك بما يتوافق مع تعديلات الدستور الأخيرة في تشرين الثاني 2017 التي دخلت حيز التنفيذ عام 2018.
وقضت المحكمة الدستورية، في قرار مؤلف من 482 صفحة نشر في الجريدة الرسمية في تركيا، أمس الثلاثاء، بتعديل المرسوم بالقانون رقم 703 الصادر بتاريخ 2 تموز 2018، الذي يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في التعيين والإقالة، ويلغي استقلالية البنك المركزي، ويخضع الجامعات لسلطة الرئيس، وألغت كثيراً من أحكامه، بموجب دعوى أقامها حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أمام المحكمة.
ومن بين أهم ما جاء في القرار إلغاء تعديل على قانون التعليم العالي يمنح الرئيس سلطة تعيين رؤساء الجامعات الحكومية والوقفية وعدته غير دستوري، وأكدت أن التعيينات لا يمكن أن تتم بمراسيم رئاسية.
وكان قرار تعيين أردوغان رئيس لجامعة بوغازيتشي (البوسفور) في عام 2021 أثار أزمة واحتجاجات من جانب طلابها، ولا تزال مستمرة حتى الآن عبر وقفات احتجاجية يومية لأعضاء هيئة التدريس، اعتراضاً على تجريد مجلس أمناء الجامعة من حقه في تعيين رئيسها.
وألغت المحكمة قاعدة تعيين رئيس الجمهورية لرؤساء الجامعات من خلال تقديم مرشحين يختار من بينهم، وأكدت أن التعيين يجب أن يكون بناء على اقتراح مجلس أمناء كل جامعة. كما تمت إزالة بعض الأحكام مثل شروط التعيين ومدة الولاية.
وقضت المحكمة بعدم دستورية تعيين الرئيس 7 من أعضاء مجلس التعليم العالي البالغ عددهم 21 عضواً.
وألغت المحكمة الدستورية سلطة استبدال رئيس البنك المركزي قبل انتهاء ولايته، وتعيين نوابه والتمديد لهم بمراسيم يصدرها الرئيس.
وشهد منصب رئيس مصرف تركيا المركزي، تقلبات وعدم استقرار في عهد حزب “العدالة والتنمية” برئاسة أردوغان، وتناوب عليه 7 رؤساء منذ عام 2006 وحتى الآن، وخلال السنوات الخمس الأخيرة تم تغيير 5 رؤساء، آخرهم فاتح كاراهان، الذي عينه أردوغان خلفاً لرئيسته حفيظة غايا إركان، التي أمضت في المنصب أقل قليلاً من 9 أشهر، وهو ما عدّ إخلالاً باستقلالية البنك المنصوص عليها في الدستور.
وألغت المحكمة بالإجماع القاعدتين المتعلقتين بتعيين رئيس البنك المركزي ونوابه، لعدم دستوريتهما على أساس بقائهما في منطقة محظورة لا يمكن تنظيمها بمرسوم بقانون.
كما ألغت المحكمة الدستورية اللائحة المتعلقة بتعيين الولاة ونوابهم، التي تنص على شرط أن يكون من يعين في منصب الوالي أمضى 6 سنوات في منصب قائمقام، منها سنتان في شرق البلاد، وأن يحظى بتزكية وزير الداخلية وموافقة رئيس الجمهورية بسبب عدم الدستورية.
وألغت المحكمة لائحة تتعلق بتحديد سن موظفي الخدمة العامة بـ65 عاماً حداً أقصى بموجب مرسوم يصدره الرئيس، لافتة إلى أن المادة 70 من الدستور نصت على أن لكل مواطن الحق في الالتحاق بالوظائف العامة، وأنه لا يجوز أن يراعى في التوظيف أي تمييز غير المؤهلات المطلوبة للوظيفة، وشددت على أنه لا يمكن تنظيم الالتحاق بالخدمة العامة بمرسوم.
وجاء في حيثيات قرار المحكمة أن القواعد الواردة في المرسوم بالقانون رقم 703 لسنة 2018 لم يقصد منها الامتثال للتغييرات التي أدخلت على الدستور وأنها تتجاوز غرض ونطاق سلطة إصدار المراسيم.
وأكدت أنه يجب على البرلمان إصدار لائحة قانونية بالتعديلات التي أقرتها المحكمة.
وعلق رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، على قرار المحكمة خلال حديثه أمام اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه أمس الثلاثاء، مخاطباً أردوغان بقوله: “سيد طيب، ألغت المحكمة الدستورية كل ما فعلته، حزب الشعب الجمهوري يقول إنه على حق، ويقول إنه لا يمكنك القيام بذلك إذا كان هناك قانون”.
من ناحية أخرى، تواصلت تداعيات القبض على رئيس بلدية هكاري (جنوب شرقي تركيا)، المنتمي إلى حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» المؤيد للأكراد، محمد صادق أكيش وعزله من منصبه على خلفية تحقيقات بدأت قبل 10 سنوات، واتهامه بالانضمام إلى منظمة إرهابية انفصالية ودعمها، في إشارة إلى حزب العمال الكوردستاني، ونقل صلاحياته إلى والي هكاري علي تشيلك بصفته وصياً على البلدية.
وشارك وفد من حزب «الشعب الجمهوري» في اعتصام ينظمه حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» في محيط البلدية التي تم فرض طوق أمني عليها، احتجاجاً على اعتقال رئيس البلدية المنتخب واعتقاله.
وطالب اتحاد المحامين الأتراك، في بيان، بضرورة إعادة أكيش إلى منصبه، مؤكداً أن عزله يعني تدخلاً غير متناسب مع الحق في التصويت والترشح للانتخابات، وهو أساس الديمقراطية.