الحركة التحررية الكوردستانية
بين الواقع والمهام

شريف فرمان

لايخفى على أحد أن المشهد السياسي العام للعلاقات بين الاحزاب الكوردستانية لا يبعث على التفاؤل ،فحيناً يسود الجفاء والتوتر والقطيعة ،وحيناً آخر ،تتحول الرؤى المختلفة والتباينات السياسية والممارسات الميدانية إلى التناحر وفقدان الثقة والإحتكام إلى حملات التخوين وتصفية الحسابات الحزبية بقوة السلاح ،على صعيد الحزب الواحد أو فيما بينها لفترات طويلة .
وقد دفعت الحركة السياسية الكوردستانية نتيجة هذا الوعي القاصر والسلوك الخاطئ فاتورة كبيرة ومخيفة من الضحايا والآلام والإنقسام المجتمعي الحاد ،في هذا الجزأ الكوردستاني أو ذاك ،ومازالت إفرازاتها ونتائجها الكارثية تخيم على مناطق نفوذ تلك الأحزاب.
وهذه الخلافات ،والأجواء المشحونة بالقلق والتخوف من الآخر الكوردي ،سهلت طريق الأنظمة الغاصبة لكوردستان ،أحياناً كثيرة ،بالنيل من الجميع عسكرياً أو سياسياً ،منفردة أو مجتمعة ،حيث لم تتوقف يوماً في بث الفتن وإشاعة الفوضى وحبك المؤامرات ،ومحاولات إختراق جبهاتها الداخلية ،لإضعاف القوى الكوردستانية ومحاصرتها وفرض خياراتها الأمنية ،وبالتالي إنهاء المكتسبات القومية التي تحققت بدماء الكورد وتضحياتهم الكبيرة على مر العقود الماضية.
وفي الوقت الذي كانت العلاقات الكوردية البينية متدهورة ،وتعيش حالة من التنافس الحاد ،وعدم تقبل الآخر ،فإن القوى الكوردستانية لم تتردد في بناء شبكة من العلاقات المتينة مع معظم الأنظمة الغاصبة لكوردستان ،للإستفادة من التناقضات القائمة بين تلك الأنظمة حسب رأيها ،خلال مسيرتها النضالية ،علماً أن هذه الدول والأنظمة لا تعترف رسمياً بالحقوق القومية للشعب الكوردي ،بالرغم من المتغيرات الإقليمة والدولية العميقة ولا تتوانى لحظة في الهجوم على المكتسبات الكوردية والتدخل عسكرياً عند اللزوم.
وحال الأحزاب الكوردستانية التي تمارس النضال الديمقراطي السلمي وعلاقاتها البينية ليست بأفضل من تلك التي تمتلك السلاح.فالخلافات والإنشقاقات، وتوزيع التهم الباطلة والرخيصة، والتبعية لهذا الطرف أو ذاك قد أضعفت الجميع وأضرت بهم.
إن الراهن السياسي للحركة التحررية الكوردستانية ومايشوبه من خلل وضعف وإنقسام وتوترات ،يضر بالمسار العام للنضال الكوردي ،ويعرقل نشاطه ويحول دون الوصول إلى خلق الأرضية المناسبة للحوارات البناءة والتفاهم وإيجاد البرامج المشتركة للعمل في سبيل إنتزاع الإعتراف الرسمي الدستوري بوجود الشعب الكوردي وحقوقه القومية المشروعة.
إن الظروف الجيوسياسية في المنطقة والعالم ،وما يجري من تلاحق للمتغيرات العميقة في مجالات الوعي والتواصل الإجتماعي والقيم الإنسانية والإقتصادية والأمنية، والتطور المذهل لأدوات العمل ،يتطلب منا جميعاً :
أولاً : إيقاف الحملات الإعلاميةالمبتذلة والسياسات العدائية المبنية على التشهير والتخوين وإقصاء الآخر في الساحة الكوردستانية.
ثانياً : الدخول في حوارات سياسية قومية بناءة لتطويق الخلافات القائمة وبناء الثقة وتعزيز التفاهم والتضامن الأخوي الصادق.
ثالثاً : البحث الجاد عن السبل الواقعية ، والآليات العصرية المناسبة والكفيلة بإيجاد رابطة قومية كوردستانية موحدة ، بعيدة عن النزعات الحزبية المشبعةبالتعصب والشعارات والمزايدات وأحلام الهيمنة والإقصاء.
رابعاً : الإنتقال من سياسة بسط النفوذ والهيمنة في الأجزاء الأخرى من كوردستان المقسمة إلى سياسة توطيد العلاقات الأخوية في العمق الكوردستاني ،وتعزيز قيم الإحترام المتبادل وروح التعاون المشترك ،وتقديم الدعم اللوجستي اللازم عند الحاجة.
خامساً : رسم السياسات والبرامج المشتركة ،القادرة على حل المشاكل الطارئة ،وتكريس المكتسبات القومية في أي جزأ كوردستاني كان ،على أرضية الدفاع عن الوجود الكوردي وحماية مصالحه العليا.
سادساً : إستقطاب مختلف النخب الوطنية الكوردية ،أصحاب الكفاءات والتخصصات العليا ورعايتها ،وتقديم الدعم والتسهيلات اللازمة لها ، للإستفادة من إمكانياتها وطاقاتها في مختلف مجالات العمل.
سابعاً : تأسيس شبكة واسعة من المؤسسات الإعلامية المتخصصة بمختلف اللهجات الكوردية ولغات العالم الحية ،لتسليط الضوء على قضية الشعب الكوردستاني ،تاريخاً وحاضراً،معاناةً وطموحاً ،لإجتياز الحدود التي قسمت وطن الكورد ،والتقريب بين المناطق الكوردستانية المختلفة المحاصرة بسياسات القتل الهمجي والتمييز العنصري والتغيير الديمغرافي والتشويه الممنهج لكل مايمت بصلة إلى الإنسان الكوردي وأرضه وتطلعاته القومية والإنسانية.
هذا الخطاب الإعلامي ،السياسي والثقافي القومي الكوردستاني يقلص التباعد الإجتماعي والديني والمذهبي،ويقرّب بين اللهجات المحكية ،ويفجر الطاقات الوطنية الكوردية الجامعة على طريق النضال التحرري ،ويساعد على بلورة رأي عام عالمي متعاطف مع محنة الكورد ،ومناهض للأنظمة الغاصبة لكوردستان وسياساتها المنافية للديمقراطية وحقوق الإنسان .
ثامناً : تحريك وتوجيه الجاليةالكوردستانية الكبيرة ،المتواجدة في الخارج ،لشرح القضية الكوردية ودعمها وإكتساب المزيد من الأصدقاء والمناصرين ،وتشكيل مجموعات فاعلة ومؤثرة للضغط على صناع السياسة والإقتصاد في عواصم العالم ،لإيجاد حل عادل للمسألة الكوردية وفق شرائع وقوانين الأمم المتحدة.
تاسعاً : تأسيس مراكز دراسات وأبحاث إستراتيجية متطورة من حيث التمويل وأدوات العمل من ذوي الخبرة والإختصاص المتقدم معرفياً في مجال الفكر والسياسة والإقتصاد والأمن القومي للإهتمام بالشأن الكوردي العام ،والبيئة السائدة محلياً ،إقليمياً ودولياً،تقدم التحليل العميق والتشخيص الدقيق للأوضاع المختلفة ،لتحديد التهديدات وتقدير المخاطر وإيجاد الوسائل والأدوات الضرورية لمواجهتها ،وهذه المراكز ستكون نقلة نوعية للإنتقال من التفكير الفردي إلى التفكير الجماعي المؤسسي وبمثابة خزان معرفي متعدد الخيارات والأولويات لصانعي القرار السياسي الكوردي ،لتجنب الأخطاء وإستغلال الفرص وتعزيز النجاحات وتطوير أدوات العمل والنضال ،لتكون قادرة على التعاطي الإيجابي مع المتغيرات في الحاضر والمستقبل .