( موضوعات أساسية)

إنَّ استمرار الأزمة السورية ما يقارب عقد من الزمن لم يأتي من فراغ ، بل كانت نتيجة حتمية لما آلت إليه الأوضاع فيها نحو الأسوأ ، فمنذ الوحدة المصرية السورية/1958 أصبحت الدولة المدنية الوطنية القائمة آنذاك ، أسيرة النزعة القومية (الأمنية والعسكرية) وانقلبت المفاهيم الوطنية ودولة المواطن والقانون فيما بعد ، في ظل انقلاب حزب البعث العنصري في/1963 وما تلاه من انقلاب حافظ/1970 إلى مفاهيم قطرية وقومية طوباوية ، تحت يافطة من الشعارات الخادعة الكاذبة ، للفت أنظار الناس إلى قضايا وأمور بعيدة عن واقعهم المعاش و في الوقت ذاته ، زاد حدة التآمر فيما بين تلك الأنظمة نفسها وخاصة في كلٍ من (سوريا ـ العراق ـ ليبيا ـ مصر)

 تمكن الدكتاتور حافظ أسد من ربط سوريا باسمه الشخصي (سوريا الأسد ) وتشكيل الدولة الأمنية القائمة على إرهاب المواطن وتمكن من بناء جيش طائفي ومنظومة أمنية موازية في الحكم والإدارة واعتماد معايير الولاء للنظام من خلال منح الامتيازات والحرمان منها ، في معظم مفاصل الدولة حتى شملت التعليم وعمل على إفساد المجتمع من مختلف الجوانب القيمية .

تم منع الحياة السياسية في سوريا منذ تشكّل ما سمي بالجبهة الوطنية التقدمية /1972 وفي جانب آخر، أصبح النظام يمارس الوصاية على الأطراف المتنازعة في الحرب الأهلية اللبنانية منذ دخول قواته إلى لبنان كقوات ردع عربية /1976 لحين خروجه مطروداً في عام /2005 ، مارس خلال عقود من الزمن ، الفساد والمساومات والاغتيالات والتآمر على إخراج منظمة التحرير الفلسطينية/1982 والمساعدة في تأسيس حزب الله اللبناني الشيعي وفق مرجعية ولاية الفقيه في إيران  .

ومنذ الحرب العراقية الإيرانية /1980 ، أنضم إلى الحلف الشيعي الذي يقوده إيران في المنطقة ، من خلال تثبيت دعائم الدولة الطائفية في سوريا و مرتكزاتها في الجيش والأمن ومراكز القرار وبالتالي الإستحواذ على المقدرات الإقتصادية لصالح عائلته وحرمان الشعب السوري منها ، من خلال الإستيلاء على إيرادات النفط وبقية القطاعات (عقود الخدمة لشركات النفط والغاز والإتصالات والخدمات ) و منعها عن الشعب السوري ، مع التدني المستمر لمستوى المعيشة لعموم الشعب السوري وتجميع الثروة في دائرة العائلة والمقربين من النظام مع بدء انهيار قيمة الليرة السورية في /1984، بعد استيلاء رفعت الأسد شقيق حافظ أسد وشريكه في الإجرام على موجودات البنك المركزي السوري من العملات الصعبة وتهريبها لخارج البلاد بموجب اتفاق مصالحة بين الأخويين إثر خلاف إنقلابي ، فيما يتعلق بقضية توريث الحكم .

وبالإشارة إلى مناطق كوردستان الغربية وشرق الفرات ، لم يقتصر النظام على إطلاق مصطلح المحافظات النامية تعليمياً عليها ، بل مارس سياسة الحرمان من التنمية الإقتصادية و الإدارية والبشرية وبخاصة أماكن تواجد الشعب الكوردي ، حيث استهدفه بالقوانين والقرارات والإجراءات العنصرية الإستثنائية في وجوده من خلال التغيير الديموغرافي (إقامة مستوطنات عربية ، تنفيذاً لمشروع الحزام العربي العنصري) وممارسة التفرقة العنصرية لضرب السلم الأهلي ، قبل وإثر أحداث إنتفاضة الشعب الكوردي (إنتفاضة قامشلو)/آذار/2004 واغتيال الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي/2005 إضافة إلى استمرار إصدار القوانين العنصرية بحق الشعب الكوردي (القانون 48 لعام 2008) القاضي بمنع التملك والإستثمار والعمران ، ومع انحباس الأمطار و ندرة المواسم الزراعية و الأعمال الإنشائية ، حدثت هجرة معاكسة نحو مدن الداخل ( حلب ودمشق وغيرها ) حيث حدث خلل في التركيبة السكانية .

وفي ظل انعدام تام للحريات العامة واتساع طبقة الفقراء بما يشمل الطبقة الوسطى من المجتمع و تزايد الشعور بالغبن وإهدار الكرامة وانتشار الفساد وعدم الإصلاح والوعود الكاذبة فيما يخص بإحياء المجتمع المدني وبالتالي منعه وقمعه ، كانت إرهاصات الثورة تبدو أقرب المشاهد في الحالة السورية منها في بقية بلدان ثورات الشرق الأوسط المسمى بـ ( الربيع العربي ، الذي بدأت من تونس في شمال أفريقيا ) .

عمدت إيران في بداية الثورة السلمية إلى دفع نظام الأسد إلى تدابير القمع المفرط والقتل الممنهج في مواجهة المحتجين ، انطلاقاُ من تجربتها مع انتفاضة الشعب الإيراني عام /2010 ، حيث تعامل النظام مع قضية المطالب المحقة للمنتفضين أمنياً ، كما هي سلوكياته المعهودة مع القضايا الوطنية وهكذا تطورت حجج النظام المجرم بتوصيف حالة القتل بأنه يتم بفعل ( المندسين ) وبعد تدخل الجيش ونزول الدبابات للشوارع (محاربة العصابات المسلحة)  والطيران ، بمواجهة (المؤامرة الدولية )على سوريا ، حتى تمكن في النهاية من جر الثورة الشعبية في أغلب المناطق باستثناء غرب كوردستان إلى المواجهة المسلحة وتطورت الأمور بعد التدخل الإقليمي (إيران وحزب الله والميليشيات الشيعية الطائفية ، تركيا والقوى الراديكالية التكفيرية ، الأردن ، إسرائيل ، دول الخليج ) إلى حالة الحرب الأهلية ،وكان لظهور تنظيم ( داعش ) الإرهابي/2014 وتمدده على حساب المعارضة المسلحة ، له أكبر الأثر في تقليص مساحات سيطرتها ، حيث دفعت الممارسات البشعة الإرهابية لـ (داعش )، العالم لتشكيل تحالف دولي بقيادة أمريكا لمحاربة هذا التطرف ، فيما استغلت قوات سوريا الديمقراطية الفرصة بشكل ( براغماتي ) و المشاركة في الجهد الدولي لتحرير مناطق شرق الفرات والتخلي نوعاً ما عن ارتباطاته الأمنية مع النظام ، الذي كان في وضعٍ آيلٍ للسقوط ، حيث جاء التدخل الروسي /2015 لإنقاذه من خلال قصف الطيران والصواريخ البعيدة المدى والدعم اللوجستي من خلال اختبار أسوء الأسلحة وأشدها تدميراً وفتكاً بأجساد السوريين و مدنهم وأريافهم ، ليقلب ميزان المعارك لصالح النظام ، وعملت الدول الإقليمية السابقة الذكر ، على تجزئة الجهد العسكري للمعارضة للحيلولة دون تكاملها ، وفي المقابل تمكَّن الداعمين للنظام من استثمار تلك الحالة ، بحصار المناطق ودفع معظمها للاستسلام و ترتيب عمليات المقايضة من خلال نقل المقاتلين إلى خارج بيئاتهم ومناطقهم ، حيث تشكلت عندئذٍ مناطق النفوذ الحالية واستمرت حالات المقايضة بين مختلف الدول المؤثرة لصالح تركيا المحتلة بمشاركة الجيش الوطني المرتزق ، التابع للائتلاف السوري ، في مواجهة وجود الشعب الكوردي ومناطقه الآمنة ، كما لا يخفى ، ما شكله حزب الإتحاد الديمقراطي من إتفاق مع النظام منذ /2012 للاستفراد بإدارة مناطق كوردستان الغربية  عسكرياً وأمنياً وخلق المبرر للأعداء وخاصة تركيا باحتلال (عفرين ، سرى كانية ، كرى سبي) وتقطيع أوصال جغرافيتها .

سياسياً ، لم يطرأ أي تغيير على مواقف النظام رغم تدخل الجامعة العربية وإرسالها لمراقبين ، ولا للقرارات الأممية وخاصة قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 بشأن الانتقال السياسي ولم يردع النظام الضربات الأمريكية بسبب استخدامه للأسلحة الكيماوية في ضرب المدنيين (قرار مجلس الأمن الدولي بنزع السلاح الكيماوي رقم 2118لعام 2013 ) ولا العقوبات على أشخاصه وهيئاته العسكرية والسياسية وآخرها قانون قيصر بمقدار ما لها من تأثير على حياة ومعيشة الناس والنظام يعمل جاهداً لعرقلة مهام اللجنة الدستورية ، فيما بقي الفيتو الروسي سليطاً في مواجهة معظم مشاريع قرارات مجلس الأمن الدولي  ، لحماية الشعب السوري وإنهاء النزاع على مدى هذه الأعوام من عمر الأزمة السورية . 

كما عملت روسيا وإيران وتركيا على الإلتفاف على مقررات جنيف ومساره بخصوص الإنتقال السياسي في سوريا وإخراجها من مضامينها الأممية من خلال العمل على تأسيس مؤتمرات بديلة (اجتماعات آستانا ومؤتمر سوتشي ) ولم يزل النظام يناور على كسب الوقت فيما يخص باللجنة الدستورية ويدفع بموضوع الإرهاب ومحاربته كمفردة دعائية ضمن المبادئ الدستورية وهو يمارس في الحقيقة  إرهاب الدولة المنظم في أبشع صوره وأشكاله على مدى سنوات حكمه الأوليغارشي ، في حين يزداد الصراع بين مختلف الأطراف وأصبحت مناطق النفوذ كأمر واقع يقرره مصالح الدول الكبرى و الإقليمية بمعزل عن مأساة الشعب السوري . 

في مواجهة كل هذه التحديات والأحداث ظل المجلس الوطني الكوردي ، الذي تشكّل في أكتوبر/2011 يناور خارج المكان ، بعد أنْ استحوذ حزب الإتحاد الديمقراطي السلطة بالإتفاق مع النظام وبالقوة العسكرية على كافة مناطق التواجد الكوردي في سوريا منذ بداية/2012 ، وعلى الرغم من حصول عدة اتفاقات للشراكة (هولير1 و2 ـ دهوك) خلال الأعوام/2012و2014 بين الطرفين ، إلا إنه لم يلقى التنفيذ وأصبحت الأوضاع أكثر سوءً ، بسبب سياسات و ممارسات سلطة ( ب.ي.د ) الكارثية ، التي أفضت بالنتيجة إلى إفراغ كوردستان الغربية  من السكان ، فيما كان المجلس يتخبط في مسعاه السياسي للشراكة ضمن إطار المعارضة العربية ( الائتلاف السوري ) الذي أصبح ينظم ميليشياته تحت مسمى (الجيش الوطني ) كمرتزقة و أدلاء للاحتلال التركي لمناطق  كوردستان الغربية وفي نزاعات تركيا الإقليمية .

مسعى المجلس الوطني الكوردي منذ بداية الأزمة ، بأن يكون جزءاً من الحل السياسي لسوريا المستقبل ، يقابله نفور و تغاضي من قبل معظم أطراف المعارضة والنظام على السواء فيما يتعلق بشكل الدولة السورية ونظامها السياسي ومدى اعتراف تلك الجهات بحقوق الشعب الكوردي وقضيته القومية العادلة ، حيث يأتي جهود التحالف الدولي ( الأمريكان والفرنسيين ) بين المجلس الكوردي وحزب الإتحاد الديمقراطي وتحالفه (أحزاب الوحدة الوطنية)وما أعلن من إتفاق سياسي و إطار للمرجعية الكوردية يأتي في اتجاه توحيد الصف والموقف الكورديين ، إلا أنه يصطدم بتنازعات الأطراف الكوردستانية ، التي تعتبر مرجعيات للطرفين ، في حين تعمل معظم الأطراف على التخفيف من تأثير تلك الأطراف على المفاوضات الجارية وخاصة وصاية (ب.ك.ك) ، كما نجح المجلس الكوردي في استقطاب أطرف من مكونات شرق الفرات            ( المنظمة الآثورية الديمقراطية و تيار الغد السوري والمجلس العربي في الجزيرة والفرات ) تحت مسمى  ( جبهة السلام والحرية ) على أمل أن يتوسع دائرة القوى التي تحبذ العيش المشترك على قاعدة الحل الأمثل لسوريا المستقبل كدولة ديمقراطية ، لامركزية تعددية في مواجهة ما يسعى إليه النظام ومن خلفه إيران وبدعم روسيا ، الإبقاء على المنظومة الأمنية والعسكرية و الهيكلية الإدارية لسوريا ما قبل الدولة . 

حراك خوى بون / Xwebûn