ولد يلماز غوني في نيسان سنة ١٩٣٧ في قرية آينجة التابعة لمدينة أضنا، وسط عائلة فقيرة الحال، عاش فقيراً، لكنه كان محباً للعلم، فتابع تحصيله العلمي حتى حصل على الثانوية العامة.
مارس يلماز أكثر من مهنة ليكسب قوت عيشه ومصروفاً لدراسته.
يعتبر واحداً من بين أكثر الأسماء الأدبية والفنية ملاحقة واعتقالاً من قبل السلطات الرسمية، حيث أمضى في السجن حوالي 11 عاماً، خلال فترات متفرقة. لكن لم يمنعه ذلك من متابعة عمله، إن كان في الكتابة القصصية والروائية، أو في النشاط السينمائي.
بدأ رحلته مع السينما في ١٩٥٧ كمساعد مخرج لفلم (أبناء هذا البلد) ومن بعدها اشتغل كممثل في ٤٠٠ عمل سينمائي منها ١١٠ فلماً بدور البطولة وكان ملقباً بـ (السلطان القبيح) وحقق طوال مساره كمخرج نحو ٢٢ فيلماً، (أخرج ثلاثة منها وهو في السجن)، نال معها نحو 17 جائزة، من بينها السعفة الذهبية من مهرجان «كان» السينمائي عن فيلمه “الطريق (YOL)”.
وجد غوني الشاب نفسه مناضلاَ في صفوف «الجناح الأكثر تطرفاً في الحزب الشيوعي التركي». ولم يكن غوني راضياً عن معظم الأفلام التي كان يمثل فيها، معتبراً اياها «تستلب الشعب أكثر وأكثر وتعطيه وعياً مزيفاً»، فيما كان يخوض نضالاً سياسياً عنيفاً في بلد يحظر فيه أي انتماء يساري، كما بدأت هويته الكُوردية تبرز إلى العلن، من دون أن يتمكن من التعبير عنها بشكل مباشر في أي من أدواره العديدة.
كان عام ١٩٦٦ تحولاً كبيراً في حياة كوناي حيث ظهرت له أفلام من نوعٍ جديد أرسى من خلالها مدرسة جديدة للسينما في تركيا، والتي أخذت بعداً عالمياً وداخلياً وسرعان ما تأثر بها المنتجين الكبار، فأخرج (سيد خان، الذئاب الجائعة، رجل قبيح…) وكانت باكورة أعماله في تلك المرحلة فيلم (الأمل) الذي أوصله إلى أكبر المهرجانات العالمية حيث نال (17) جائزة على فيلمه، وجذب إليه العيون والسمعة القوية بين فناني العالم.
أخرج أفلاماً من السجن
أصبح غوني خلال فترة قياسية واحداً من السينمائيين الأكثر حضوراً في السينما الأوروبية، وذلك بفضل أفلام تقول الحكاية إنه أدار إخراج الأفضل من بينها وهو في السجن، حيث كان مساعده زكي اوكتان أو صديقه شريف غوران، ينفذان الخطوات الإخراجية التي يرسمها هو لسيناريوهات كتبها بنفسه وهو قابع في زنزانته،إذ كان اوكتان وغوران يعدان الممثلين ومواقع التصوير، وهو في الداخل يحدد الحركات والعلاقات والحوارات وموقع الكاميرا.
وتكررت هذه التجربة مرات عدة،إذ أدار فيلمي «الأمل» و «القطيع» من السجن، كما أخرج فيلمه «الطريق» من سجن (توب تاشه)، بالتعاون مع شريف غوران، وكانت جميع أفلامه تحقق نجاحات في شباك التذاكر.
وكذلك كتب رواية «ماتوا ورؤوسهم محنية» عن الفلاحين الفقراء في جنوب تركيا، وهو في السجن. واللافت أن أصدقاء غوني كانوا يهربون أفلامه إلى خارج البلاد لتعرض في المهرجانات وتثير ضجة من حول مخرجها الذي تحول إلى “أسطورة حية”، وصار واحداً من السينمائيين المرموقين في العالم.
يلماز غوني الأديب
كتب قصته الأولى الأعناق الملوية ١٩٦١ وكانت سبباً لسجنه من قبل السلطات بتهمة أنه “مثقف أحمر”.
لم يكن السجن ليلماز جدران مغلقة بل عالم جديد من العمل واختراق الذات وانفعال الفكر والقهر والخيال والحب، ليكتب من عالمه أجمل ملاحمه، فقد كتب رائعته (صالبا) عام ١٩٧٣ من سجن السليمة، والتي طبعت عدة مرات وبلغاتٍ عديدة، وكتب رواية (معادلات مع ثلاث غرباء) وكتب مئات القصائد والمقالات، كما كتب سيناريوهات أكثر من فيلم داخل السجن وكان أكثرها شهرة فيلم (الرفيق. القطيع وآخرها فيلم الطريق).

نشر مئات القصص القصيرة وله أربع روايات، من بينها «الأعناق المنحنية» أو «ماتوا ورؤوسهم محنية»، التي حازت على جائزة «أورهان كمال» في العام 1970، وهي أرفع جائزة أدبية في تركيا.
غوني والقضية الكوردية

يقول غوني عن القضية الكوردية، هي “قضية في غاية الصعوبة والتعقيد، ذات يوم سأحقق فيلماً أحكي فيه حقاً حكاية نضال شعب من أجل ولادته أو بعثه، أما اليوم فالأمر عسير كما إن القضية نفسها عسيرة، ومع هذا على المرء أن يحكي ذات يوم كيف تم تشتيت الشعب الكوردي وتقسيمه، وما هي الآفاق المستقبلية المطروحة أمامه. على أي حال أعتقد إن من الأمور الشديدة الصعوبة الحديث عن مثل هذا بموضوعية، فالتاريخ ليس حافلاً بالانتصارات فقط، بل هو حافلٌ كذلك بالهزائم والأخطاء وخيبات الأمل”.
ويقول في حوارٍ معه: “لم يكن هدفي من الحياة مزاولة الفن، بل محاولة تحرير شعبي من خلال هذا الفن”. لذلك ومن خلال هذا الفن دخلت القضية الكُوردية أطواراً عديدة، منها السياسي والاحتجاجي، في البلدان التي يتوزع فيها الكُرد طامحين إلى حلمهم بالهوية التي قد تحققها الدولة الكُوردية. والهوية في جانب منها هي الثقافة، وأن من قدّم ثقافة شعبه يستطيع نقل رسالة شعبه إلى العالم.
في عام 1981، هرب من السجن خلال «إجازة مراقبة»، ومن تركيا إلى اليونان، ثم استقر في فرنسا. وفي حينها، جردته الحكومة التركية من الجنسية، وحكمت عليه المحاكم التركية بأكثر من 22 سنة سجن بتهم سياسية.
ويقول يلماز گوناي إنه هرب من السجن بتسهيل من السلطات التي أرادت أن يفر من البلاد إلى المنفى. في فرنسا، أنجز فيلمه الأخير «الجدار ـ Duvar» في العام 1983، الذي يتحدث عن واقع السجون التركية عبّر خلاله عن الواقع المزري هناك عبر تصوير أعمال شغب جرت في أحد السجون.
توفي غوني في باريس يوم 9 أيلول 1984 ليدفن في مقبرة العظماء “بيير لاشيز”.