رحل أمس الإثنين أول أيام السنة الجديدة شيخ المعارضين السوريين رياض الترك،في فرنسا عن عمر ناهز 93 عاماً.
اعتقل وسجن الترك لنحو عشرين عاماً لانتقاداته المتواصلة لسياسات نظام البعث السوري، وبسبب معاناته الطويلة داخل المعتقلات السورية ، لقب بـ”مانديلا سوريا”.
وُلِد رياض الترك في مدينة حمص في العام 1930، نشأ في دارٍ للأيتام حتى ما بعد دخول مرحلة الدراسة الابتدائية، وبدأ نشاطه السياسي أثناء متابعته دراسة الحقوق، وكان عمره لا يتجاوز الـ22.
التحق بالحزب الشيوعي السوري في سنوات 1950.
كان ملاحقاً من قبل السلطات الأمنية،وفي زمن أديب الشيشكلي،تعرّض للسجن والتعذيب خمسة أشهر،ثم عاد مرة أخرى إلى السجن سنة 1960 خلال فترة الوحدة بين مصر وسوريا- وتعرض للتعذيب، وكان السبب هذه المرة هو معارضته الوحدة بين سوريا ومصر في أوج حركة القومية العربية التي قادها الرئيس المصري حينها، جمال عبد الناصر. وقال الترك: “لقد جاءت قوات الأمن المصرية بأساليب من التعذيب أشد قسوة من الأساليب المستخدَمة من قبل، فقد استُحدث أسلوب (الفلقة)، ولقي بعض المعتقلين حتفهم في الحجز من جراء ذلك”.
غادر رياض الترك سوريا عند وصول حزب البعث إلى الحكم في العام 1963، ثم عاد في العام 1965. عارض الترك قرار الحزب الشيوعي السوري في العام 1972 بالانضمام إلى الجبهة الوطنية التقدّمية، وهي ائتلاف مؤلّف من منظمات متحالفة مع حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، ثم انشقّ بعد عام ليشكّل الحزب الشيوعي السوري المنشقّ (المكتب السياسي).
عبر الترك عن انتقاده للحكومة السورية وحزب البعث العام 1980، خصوصاً الأسلوب الأمني الذي اتخذته السلطات في مواجهة الإسلاميين، عندما تولت سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد قمع جماعة الإخوان المسلمين في حماة. واعتقل بسبب موقفه، وحُكِم عليه بالسجن 18 عاماً في العام 1980. وقالت زوجته أسماء الفيصل، وهي طبيبة سُجنت هي الأخرى لمدة 20 شهرًا، بين عامي 1980 و1982: “لم نره لمدة 13 عامًا، ولم نكن حتى نعرف مكانه يقينًا”.
قبل يومين من خطاب القسم الرئاسي لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، في أثناء توليه السلطة بدمشق، نشر رياض الترك في ملحق جريدة “النهار” مقالته المعنونة: “من غير الممكن أن تظل سوريا مملكة الصمت”. وفي 5 آب 2001، ألقى الترك محاضرته في “منتدى جمال الأتاسي” بحضور حشد كثيف من الناس، ودعا فيها إلى الإنتقال من حال الإستبداد إلى الديموقراطية عن طريق التوافق السلمي. وبعد هذه المحاضرة بشهر واحد، أي في أيلول 2001، اعتُقل رياض الترك داخل عيادة أحد الأطباء في طرطوس، تلته بعد أيام موجة احتجاج عارمة وبيانات لمثقفين سوريين ولبنانيين وجمعيات حقوق الإنسان دعت إلى الإفراج عنه. وفي 26 حزيران 2002، أصدرت محكمة “أمن الدولة” حكمها على رياض الترك بالسجن لمدة سنتين ونصف السنة، بتهمة الإعتداء على الدستور وإلقاء الخطب بقصد العصيان وإثارة الفتنة، ونشر أنباء كاذبة توهن عزيمة الأمة ونفسيتها، وبجنحة النيل من هيبة الدولة،سرعان ما أطلق سراحه في 16 تشرين الثاني 2002 لسوء حالته الصحية ،وشاعت في دمشق تسميته بـ”مانديلا” سوريا.
تنحّى الترك عن منصبه كأمين عام للحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) في العام 2005، فأطلق الحزب على نفسه اسم حزب الشعب الديموقراطي. ويُذكَر أن الترك كان واحداً من الموقّعين الأساسيين على إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي في العام نفسه.
في العام 2020، استضاف برنامج “المشهد” الحواري الذي تبثه قناة “BBC عربي” رياض الترك،والتي كانت تقدمه الصحافية جيزيل خوري، أشار إلى الإفلاس الذي تعيشه المعارضة السورية حاليًا، وقد فشلت في تحقيق هدفها الرئيس، وهو إسقاط النظام الممعن في استبداده.