د. طلال أحمد *

الماء سر الحياة و أساس وجودها ,فلا حياة بدون ماء.وإن استمرار الحياة على كرتنا الأرضية يتوقف على توافرالمياه العذبة وحمايتها من التلوث .ومن المعروف أن المياه العذبة كميتها محدودة في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة لها لأغراض الزراعة والصناعة والشرب والإستخدامات المنزلية.

كما أن توزع المياه العذبة على كرتنا الأرضية غير منتظم,ويرجع هذا التفاوت في توزع المياه العذبة إلى عدة عوامل طبيعية بالدرجة الأولى ,حيث للموقع والتضاريس أثر بارز في ذلك,إضافة للظروف الجيولوجية والمناخ السائد في كل إقليم .

يوجد الماء في الطبيعة بعدة أشكال: صلب ( الجليد والثلج),غاز (بخار الماء في الهواء),وسائل وهي المادة الوحيدة الطبيعية التي توجد بهذه الأشكال الثلاثة ضمن مدى حراري صغير نسبياً وضغط جوي عادي , ويدل مؤشر استهلاك المياه على مستوى الحياة . إذ يرتفع  في الدول الغنية كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا, ويقل في الدول النامية والفقيرة.

ولكن الذين يستخدمون ما بين 300 -400 لتر من الماء يومياً لا تتجاوز نسبتهم 65% من سكان العالم. والذين يستخدمون أقل من 50 لتراً يومياً,معظمهم من أفريقيا وآسيا .

هذا وتشكل المياه العذبة نحو أقل من 3 % من مجمل المياه في كرتنا الأرضية , يقدر الماء الموجود في الكرة الأرضية بحوالي 1,4 مليار كيلو متر مكعب , يتوزع على الشكل التالي:

  • مياه المحيطات والبحار ويساوي تقريباً 96,5%
  • الجليد القطبي ومناطق الثلج الدائم 1,7%
  • مياه البحيرات والأنهار والمياه الجوفية والتربة 1,7 %

يدخل الماء في جميع الحلقات الحيوية الجيولوجية الكيميائية ,حيث تعمل الطاقة الشمسية على تبخير الماء من المسطحات المائية (محيطات- بحيرات ومن التربة ومن النباتات (تبخر,نتح)) ونتيجة لذلك ينتقل الماء إلى الهواء الجوي على شكل بخار, يرتفع الهواء الرطب والدافئ للأعلى ويتبرد ذاتياً مما يؤدي إلى تكاثف بخار الماء على شكل قطرات صغيرة وتتشكل الغيوم.عندما تصبح الظروف مناسبة تحدث الهطولات على شكل مطر أو ثلج أو برد وبالتالي يعود الماء من جديد إلى سطح الأرض .

لا تنمو النباتات من دون وجود الماء,علاوة على أن النباتات غذاء رئيسي للكائنات الحية ,فهي تقوم بعملية البناء الضوئي وفيها تقوم النبات بوجود الضوء بتحليل الماء إلى الأوكسجين والهيدروجين ,حيث يتصاعد الأوكسجين إلى الهواء الجوي ,والذي لولاه لما كانت هناك حياة للكائنات الحية على سطح الأرض.أما الهيدروجين فيكون مع ثاني أوكسيد الكربون سكر الجلوكوز ,أساس تكوين جميع المواد الغذائية ,لذلك اعتبر الماء بحق أساس الحياة.

وإذا نظرنا إلى الحضارات القديمةوعلى مر العصور نجد أنها تكونت بجوار الأنهار ومع وفرة الماء,كما اختفت بسبب شح المياه حضارات كثيرة ,وفي أنحاء العالم يتضاعف الطلب على المياه العذبة كل عشرين عاماً. ويرجع ذلك إلى تزايد عدد السكان برغم أن التلوث وتغير المناخ وتسرب مياه البحر إلى المياه الجوفية من العوامل التي أدت إلى تضاؤل الإمدادات المتاحة من المياه العذبة,وإذا لم نسارع إلى علاج هذا الوضع ,ووضع حلول لهذه المشكلة فقد تتعرض المجتمعات البشرية لإضطرابات عظمى.والآن أصبحت مشكلة نقص المياه تتصدرأولويات دول العالم ,خصوصاً وأن هناك بليون نسمة من سكان العالم لا يعرفون الماء النقي,وفي تقرير لمجلس المياه العالمي يوضح أن (80 % ) من أمراض مواطني الدول النامية هي بسبب المياه الملوثة,كما يموت ملايين البشر سنوياً للأسباب نفسها مع العلم أن سكان العالم يزداد عددهم سنوياً ,وبالتالي يزداد حاجتهم إلى الماء,ولذلك يجمع العلماء على أن الحروب القادمة ستكون في أغلبها بسبب الحصول على موارد المياه,فالأمن الغذائي دوره مرتبط بالأمن المائي , لأن منطقة الشرق الأوسط يعد من المناطق الفقيرة بالمياه . ومن المعروف أن المياه المالحة التي تكون النسبة العالية من المياه على سطح الأرض غير صالحة لإستخدام الإنسان كماهي , ولا بد من تحويلها إلى مياه عذبة, وهذا يوضح أهمية الإلتزام بترشيد استهلاك المياه ,فقد تبين للإنسان أخيراً أن المياه العذبة لن تكون سهلة المنال في المستقبل القريب, ولا بد من أن يدرك الإنسان أهمية عدم الإسراف في استخدام المياه عملاً بقوله تعالى في كتابه الكريم (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا).

وتقدر الأمم المتحدة عدد سكان العالم الآن بحوالي (7 مليارات نسمة ). وسوف يزداد هذا العدد إلى (8.5) بليون نسمة في العالم في عام 2025، سيعاني منهم حوالي (2.8) بليون نسمة من نقص الموارد المائية ومن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم في العام 2050 إلى (15) مليار نسمة سيعاني منهم (5) مليارات نسمة من نقص المياه ولعل الإزدياد السكاني ونقص الموارد المائية ذات النوعية الصالحة سيكونان السبب الرئيسي في أزمة المياه العالمية.

وهناك تأثيرات كبيرة للتغيرات المناخية – ظاهرة الإحتباس الحراري في مصادر المياه في العام ,لأنها تؤثر وتغيرمن معدلات هطول الأمطار ,سواء بالزيادة في بعض المناطق أو بالإنخفاض في مناطق أخرى من العالم.

ويذكر تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في العام (1995)، أن هناك بعض الأنهار قد انخفض تدفقها. وفي نهاية القرن الحالي (2100) سيصعب على دول العالم مواجهة خسائرها نتيجة تزايد الطلب على المياه,في وقت تتزايد فيه أعداد السكان وبالتالي سيؤثر ذلك في جميع النواحي الإقتصادية سلباً كما يؤدي إلى نزوح أعداد كبيرة من سكان المناطق التي سيلحقها الجفاف وانتشار مشكلة اللاجئين البيئيين,كما سيقل مستوى المياه الجوفية. فارتفاع معدلات درجات الحرارة سيتبعه انخفاض سقوط الثلج شتاءً, وبالتالي تقل كميات المياه التي تتسرب إلى الأرض .وبسبب التغير في معدلات سقوط الأمطار وتزحزح أحزمة المطر من الربيع إلى الشتاء,مع تزايد الأمطار أكثر من الثلوج , مما أدى إلى زيادة سرعة وصول الأمطار إلى الأنهار مسببة الفيضانات العارمة,في حين تتناقص المياه المتاحة في أماكن أخرى من العالم مسببة جفاف بعض الأنهار, وبالطبع فإن هذا التغير سيصحبه تغير في النظم البيئية الطبيعية كما أن إنصهارالجليد وكذلك الجبال الثلجية نتيجة ارتفاع معدلات درجات الحرارة سوف يؤدي إلى ارتفاع مستويات مياه الأنهار ما يزيد من المخاطر التي تواجه المجتمعات الساحلية ومصبات الأنهار وعلى الرغم من أهمية الماء للحياة,سواء للشرب أو للري أو لتوليد الطاقة أو استخدامه في الصناعة,فإن الإنسان يقوم بتلويثه وجعله غير صالح للإستهلاك وذلك بضخ النفايات والملوثات إلى مصادره.فالتلوث المائي هو إفساد نوعية الماء مما يؤدي إلى حدوث خلل في نظامه الأيكولوجي فتصبح المياه ضارة أو مؤذية.

يمكن التعرف على درجة تلوث المياه بصفة عامة بقياس محتوى الأوكسجين لها,فكلما زادت الملوثات في الماء أدى ذلك إلى استهلاك الأوكسجين المذاب فيه,وبالتالي إلى قتل أعداد من الكائنات الحية المائية وقد ينعدم وجود الكائنات فيطلق على هذه المياه, مياه ميتة, إذن فقلة الأوكسجين أو انعدامه دليل على مقدار التلوث في الماء ونتيجة الحصار الذي يعانيه الشعب الكوردي في كوردستان سوريا من انقطاع الكهرباء والمياه , يتعرض إلى أمراض كثيرة التي تنتقل بواسطة المياه حيث تنتقل هذه الأمراض إلى الإنسان بواسطة البكتيريا والفيروسات والطفيليات وهناك أمراض ناجمة عن المركبات الكيميائية التي قد تضاف إلى مياه الشرب ولعل الاهتمام بمياه الشرب والعناية به لكونه يلعب دوراً إقتصادياً وحيوياً في البلد، إذ أن الماء هو السبب المباشر في كثير من الأمراض المزمنة التي تفقد الفرد طاقته وبذلك تشل حركته الإنتاجية ونذكر من أهم هذه الأمراض :

-الكوليرا – التيفوئيد ويسبب هذا المرض نوع من البكتيريا ينتقل بواسطة المياه الملوثة نتيجة لتسرب مياه المجاري التي تحمل المخلفات المصابة إلى مياه الشرب وقد ينتقل أيضاً بواسطة المأكولات الملوثة بهذه البكتيريا.

– الدسنتريا – ويسببها نوع من البكتيريا ينتقل بواسطة الخضار الملوثة.

– التهاب الكبد الوبائي

– الأمراض الطفيلية

– الأموبيا – وينتقل إلى الإنسان عن طريق المياه.

– الملاريا – وينتقل بواسطة أنثى البعوض والتي تعيش في المياه الراكدة.

– الأمراض الدودية – دودة الإسكاريس وتصيب الإنسان نتيجة تناول الخضار الملوثة ودودة الأنكلستوما تعيش في المياه وتخترق جلد الإنسان.

ونستطيع أن نلخص أن احتمال وجود البكتيريا والجراثيم ينجم عن الأسباب التالية:

*تلوث البساط المائي أو المياه الجوفية نتيجة تسرب مياه المجاري إليها.

* كسر في الشبكة الخارجية التي توزع مياه الشرب.

* الإتصال المباشر بين المياه الملوثة الحاوية على الجراثيم والمصدر المائي كما في حالة صب مياه المجاري في الأنهار والبحيرات.

وهناك العديد من مصادر تلوث المياه نذكر منها: النفط ومشتقاته ومخلفات المصانع والمبيدات الزراعية ومياه الصرف الزراعي والصحي والأمطار الحمضية والمواد المشعة وهذه المصادر تزداد بزيادة العدد الهائل للسكان وتعتبر المصانع من أكبر مصادر تلويث مياه الأنهار والبحار والمحيطات وقد ظهر هذا النوع من التلوث نتيجة التقدم الصناعي الهائل وعندما تصل هذه المواد إلى جسم الإنسان فإنها تختزن فيه (في الأنسجة الدهنية),وزيادة تركيزها يؤدي إلى الإصابة بأمراض عديدة، خاصة أمراض السرطان , وكذلك فإن السماد المتبقي في التربة – بعد إضافته بهدف زيادة إخصابها – يذوب في مياه الري ويصل إلى مياه الشرب عن طريق التسرب إلى مياه الأنهارأو إلى المياه الجوفية مسبباً تلويثها ,خصوصاً بأسمدة النترات التي تتحول في جسم الإنسان إلى مركبات النتريت السامة,والتي تقلل من قدرة الدم على حمل غاز الأوكسيجين.أما مركبات الفوسفورالذي يستخدم بكثرة في الزراعة التي ترش على النباتات لزيادة الإنتاج ,والتي تتسرب إلى المياه الجوفية مع مياه الري لتصل في النهاية إلى مياه الآباروالأنهار والبحار,ثم تصل إلى الإنسان عند شربه لهذه المياه.

تعتبر مياه المجاري ونفايات المدن التي تلقى في مياه الأنهار والبحار من أخطر مصادر تلوث المياه ,وقد أدت عملية التحضر ونمو المدن وتضخمها وزيادة عدد السكان إلى زيادة ما ينصرف إلى مياه الأنهار والبحار من ملوثات .

ولكننا نستطيع بكل بساطة أن نتجنب الأزمة من خلال ما يلي:

-ضبط النمو السكاني وتبني سياسات جديدة في التنمية البشرية

– الحفاظ على مياه الري واستخدام الري بالتنقيط أو الرش.

– استغلال طرق التحليل المتطورة للمياه.

– التوسع في تدوير مياه الصرف الصحي.

– وضع سياسات خلاقة في تسعير المياه.

– سن قوانين دولية لتنظيم استغلال الموارد المائية.

– إصدار التشريعات اللازمة لتنظيم استخدام المياه وحمايتها من الهدر.

*د. طلال أحمد من كوردستان الغربية حاصل على الدكتورا في علم البيئة و الحفاظ على النظم البيئية من بلغاريا مقيم في السويد.