خضر م. حسن*

يصّر بعض غُلاة الكورد على اعتبار الرئيسين السوريين السابقَين محمد علي بك العابد الذي حكم سوريا بين عامي 1932 و 1936 و أديب الشيشكلي الذي حكم البلاد لمدة 229 يوماً فقط من 11.07.1953 حتى 25.02.1954 يصّرون على اعتبارهما كورديين!

لماذا هذا الإصرار يا سادة؟ وأين هي الأدلة على تَدّعون؟ وهل قال أحدٌ منهما أنّه كوردي أو ألقى يوماً خطاباً بالكوردية؟ وهل خدم أحدهما يوماً القضية الكوردية؟

في جميع الأحوال، بالنسبة لي الكوردايتي قبل كل شيء قرار، فهي ليست مجرد نَسَب، أرض أو لغة. الكوردي مَن قال أنا كوردي واعتز بكورديته وعمل من أجلها وليس الكورديُّ مَن كان أبواه كورديين.

فماذا قدم العابد أو الجيجكلي للكورد، حتى تصّرون على كورديتهما؟

بحثتُ في تاريخ الرئيسين و تابعتُ ما قاله بعض أحفادهما، وتوصلتُ إلى أن الرجلين ليسا كورديين بالمطلق وفقاً لعلم الأنساب العربي الذي يَنسب الرجل لأبيه ثم جده ثم السلف من الذكور في العائلة. كذلك الأمر عند الكورد وإن كانوا في بعض الأحيان ينسبون الأبناء والعشيرة لامرأة، مثل Mala Hezarê û Mala Buharê و غيرهما.

ذهب بعض الكورد الى أن الجيجكلي كوردي لأن نسبه مأخوذ من اللفظة (Çîçek) وتعني زهرة، ولكن هذه اللفظة مشتركة تستخدمها عدة شعوب كالكورد، الترك، الآذر و تتار القرم. فهذا ليس بالدليل الكافي لإثبات كوردية الرجل.

يقول أديب الشيشكلي حفيد الرئيس السوري السابق أديب الشيشكلي: “جاء في مقال الأستاذ صالح القلاب (رحمه الله) في الشرق الأوسط أن الرئيس أديب الشيشكلي كردي الأصل، هذه ليست المرة الأولى التي يختلط الأمر على البعض واعتقد أن السبب هو خطأ في الويكيبيديا الذي تم تصحيحه لاحقًا، والدة جدي أديب هي من آل البرازي من حماة و هم من أصول كردية ويبدو أن هذا سبب الالتباس”.

هل تريدون دليلاً أكثر من هذا؟ اسمعوا إذاً خطاب الاستقالة الذي قرأه الشيشكلي على الشعب: “أيها الشعب الكريم، إن بعض ضباط الجيش الذين خضعوا لمؤثرات حزبية قد قاموا بحركة تمرد في عدة مناطق من البلاد ترمي إلى إسقاط الحكم الدستوري القائم في سوريا، ولم يكن عسيراً عليّ قمع هذه الحركة غير أن ذلك يعني أن جيشنا سيقتتل والعدو رابض على حدوده والمؤامرات تحاك على استقلاله والفتن الداخلية تطل برأسها من تحت الرماد، من أجل هذا وحقناً لدماء الشعب الذي أحبه والجيش الذي أفتديه والوطن العربي الذي أردت أن أخدمه بتجرد وإخلاص أقدم استقالتي.”

لا يمكن أن تكون الجملة الأخيرة من خطاب الاستقالة صادرة عن كوردي فولاء الرجل للوطن العربي وليس لكوردستان! أبعد من ذلك حتى لو كان كوردياً فقد تبرأ في هذا الخطاب عن كورديته.

أمّا بالنسبة للرئيس السوري السابق محمد علي بك العابد فيقول حفيذه عمر العابد: “ماذا يريدون منا كي نثبت لهم أننا عرب من قبيلة الموالي من عشيرة المشارفة، وصلاتنا بأبناء عشيرتنا في معرة النعمان لم تنقطع حتى اليوم وأبناء عمنا آل طوقان، ومن يريد أن يتأكد ليتواصل معي لأؤكد له بالأدلة والقرائن أننا عرب أبناء عرب. هذا ليس انتقاصا من أهلنا الأكراد فهم أخوالنا وأنا شخصياً متزوج من كردية من آل بوظو، وجدي محي الدين العابد الشهير باسم هولو باشا تزوج من امرأتين كرديتين من آل كرد علي، والرئيس محمد علي بك العابد نفسه كان متزوجاً من كردية من آل اليوسف … نحن نحترم الجميع، ولكن نحن عرب ولسنا أكرادا”.

خلاصة القول، التاريخ الكوردي مليء بالرجال وبالفرسان، مليء بالبطولات والانتصارات والانكسارات والخيبات والخيانات. وإن البحث في أصول أناس لم يقولوا يوماً بأنّهم كورداً وننسبهم للكورد، دليل إفلاسٍ فكري وضياع وتشتيت لفكر الأجيال القادمة ناهيك عن أنه عمل دنيء ولا أخلاقي.


* باحث وأكاديمي كوردي