عبدالباقي اليوسف


من الصعب لكل من يشاهد حجم الدمار والمآسي في غزة أن لا يتسائل: ما الذي حققته القيادة الحمساوية والفصائل الفلسطينية المتحالفة معها من الهجوم الوحشي الذي لم يميز بين العسكري والمدني والأطفال والنساء والشيوخ، والذين أقدموا عليه في ٧ أكتوبر؟ ما الذي سيكتسبه الشعب الفلسطيني عدا الدمار ومزيد من الشتات والآثار الكارثية خاصة النفسية منها والدفع بالقضية الفلسطينية نحو مصير مجهول؟، وإن كانت الغاية فعلاً لفت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية خاصة وقد اعتادت الحركات الفلسطينية باستمرار ولعقود بتسخين الساحة بكل الوسائل لجلب الأنظار نحو قضيتهم، والتي غابت عن الأنظار خلال ما يقارب العقد نتيجة ما يسمى ثورات الربيع العربي والحرب على داعش وحرب أوكرانيا، السؤال ما الذي سيكتسبه الفلسطينيون سياسياً عدا عن تعاطف وقتي من حركات في أقصى اليسار في الغرب وتعاطف شعبوي في العالم الإفتراضي وعلى شبكات التواصل الإجتماعي والذي سرعان ما يخفت في عالم يشهد احتداماً بين قوى دولية تتبلور نتائجه في مستجدات متسارعة في مناطق مختلفة من العالم.
ما أقدمت علية القيادة الحمساوية في غزة يوم 7\10 من هذا العام كانت مغامرة قبلوا بنتائجها بما فيه تدمير غزة غير آبهين لإبادة شعبهم. إذ انه من الصعب جداً تخيل أن هذه الفصائل لم تأخذ في الحسبان المكاسب والخسائر، ولا توازنات القوة العسكرية على الأرض، وتوازنات القوى الدولية وغياب الحد الادنى من تكافؤ القوى.
التبجح بمقولات من قبيل “فرض واقع جديد” لإيجاد مخرج وحل للقضية الفلسطينية، والإنتصارات الوهمية عن بطولات، وكم من أشهر صمدوا أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية، ومن خلفها أعظم قوة عالمية، بينما عدد من الدول العربية لم تصمد أمام تلك الآلة أكثر من ستة أيام في حرب حزيران عام 1967، ليست إلا ضحكاً على العقول البائسة بين الأوساط الفقيرة والجاهلة. لم تخدم هذه المغامرة شيئاً إلا أجندات قوى إقليمية من بينها إيران وتركيا، هذه الأجندات التي آخر ما يعنيها هو القضية الفلسطينية.
كان الأَولى بالقيادة الفلسطينية في غزة أن تتعظ من تجاربها السابقة، أن تنتقم بشكل آخر لعنجهية اليمين الإسرائيلي المتطرف. فبدلاً من صرف مليارات الدولارات على حفر وتجهيز الخنادق، وشراء الأسلحة كان من الأفضل إنفاقها على بناء البنية التحتية والعلمية، والثقافية، والصحية والصناعية والتجارية في القطاع، إلى جانب إيجاد أصدقاء للقضية الفلسطينية داخل برلمانات وحكومات بلدان القوى العالمية. فالقضية الفلسطينية تحتاج إلى حل سياسي خاصة وهناك إتفاقيات وقرارات دولية تؤكد على حق الشعب الفلسطيني بإنشاء دولته المستقلة.

في حالتنا في كوردستان الغربية أتمنى من الأخوة القائمين على الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا الوقوف بشكل جدي على أحداث غزة الحالية، وأخذ العبر منها، فالمال الذي يصرف على صناعة الخنادق التي لن تجدي بأي فائدة في ظل التقدم التكنولوجي المخيف في الطاقات العسكرية من الأفضل أن يذهب الى بناء المشاريع التحتية لرفع مستوى معيشة المواطنين وتقديم الخدمات المناسبة لهم، وإلى المشاريع الثقافية، والتعليم، وبناء الإنسان الفاعل، لكسب تأييد ومساندة الشعب، وتحويل الإقليم إلى قوة وأنموذج يفرض نفسه، ولكي يحتذى به عند إيجاد أي تسوية سياسية لسوريا المستقبل. فجوهر القضية في النهاية هو الإنسان وحياة حرة وكريمة، من دونها يستحال تحقيق حل وواقع مستدام.