عبدالباقي يوسف

الميثرائية ديانة باطنية شرقية فلكية قديمة موطنها الأصل يعود إلى الشعوب التي عاشت قديماً في جبال زاغروس ومن الصعب تحديد زمن نشأتها لأنها تسبق عهد الكتابة. فالرسومات والرموز المكتشفة في الكهوف وفي المعابد القديمة لهذه الديانة تظهر أنها قديمة جداً. تشير الكثير من الآراء إلى أنها ذات جذور شرقية، نشأت منذ حوالي 6000 سنة في كهوف مرتفعات زاغروس، ومنها انتشرت شرقاً في بلاد فارس وبلاد الهند والسند ومعظم جنوب ووسط آسيا، وشمالاً نحو القفقاس، والبحر الأسود، ثم امتدت غرباً اِلى بلاد الإغريق والرومان، وبشكل خاص في مرحلة الصراع الفارسي الإغريقي وتوسعت الى أن غطت معظم أوربا وسواحل مصر القديمة. وقد أثرت على معتقدات جميع الديانات القديمة والحديثة على حد سواء.
تؤكد الدراسات أن الميتانيون كانوا يعتنقون الديانة المثرائية وهناك وثيقة تاريخية موقعة بين ملك الدولة الميتانية وملك الدولة الحثية تعود إلى عام 1350 ق. م يأتي فيها ذكر الإله ميثرا. كما وجاء في الكتاب المقدس لدى الهندوس ( ريك فيدا ) كـ إله السلام والحكمة، والوئام ومساعد لـ إله السماء ( فارونا ) حسب الديانة ( الفيدية القديمة ). وعند الديانة الزردشتية، خصص القسم العاشر من الكتاب المقدس آفيستا المسمى بـ مهرا يشت ( نشيد الشمس) لمدح ميثرا والثناء عليه لكونه إله النور والعهد الموثوق والصدق، وضد الشر والقذارة، ومساعد لإله النور والخير آهورامزدا في صراعه مع قوى الشر.
كانت القبائل الميدية تعتنق الديانة الميثرائية وانتشرت هذه الديانة مع توسع الإمبراطورية الميدية. وصلت الميثرائية إلى سوريا، ومصر، وإلى اليونان خاصة بعد إنتصار الإسكندر المقدوني على الإمبراطورية الفارسية، ومن خلال اليونان وصلت إلى الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد، واعتنقها الأباطرة الرومان، وأصبحت ديانة الإمبراطورية، ومن خلالها انتشرت في القارة الأوربية، واستمرت للقرن الرابع الميلادي إلى حين اعتناق الإمبراطورية الديانة المسيحية. خلال هذه الفترة بنيت العديد من المعابد الميثرائية في العديد من أنحاء الإمبراطورية، وأكبر المعابد الميثرائية المكتشفة في العالم موجود في روما بإيطاليا ضمن سور المدينة القديمة، ويعرف بـ “ميثرايوم كركلا “.

الميثرائية ديانة هندو آرية تسامحية باطنية تتعلق بالطبيعة والفلك ،ذو بعد فلسفي وروحاني عميق، اهتمت بحركة الكواكب والنجوم وتأثيرها على الحياة وكوكب الأرض. درس معتنقوها الأبراج. أيام السنة لديهم كانت 365 يوماً، وحددوا فصول السنة، ومواعيد تبدلاتها، وامتداد الليل والنهار ومواعيد تساويهما، واتخذوا منها أعياداً لهم. في 21 ديسمبر يبلغ الليل أقصى مداه عندها ويتوقف لثلاثة أيام (22، 23 ، و24) وفي اليوم 25 تبدأ الشمس بالتحرك نحو الأعلى بدرجة واحدة لتعلن زيادة طول النهار واستعادة الشمس لقوتها. حسب العقيدة الميثرائية يعتبر يوم 25 ديسمبر عيد ميلاد الإله ميثرا. ترتفع الشمس وتبدأ بالزحف بإتجاه قبة السماء. وسميت هذه الظاهرة بميلاد الشمس، فالإله ميثرا يمثل لديهم نور السموات والأرض.
حسب العديد من الباحثين ظهرت الديانة الميثرائية في كهوف مرتفعات جبال زاغروس. اتخذت معابدهم شكل الكهوف ووجدت بجانب منابع المياه كعنصر رئيسي وكعنصر للطهارة يغسل ويُعمد المنتسب إلى الديانة بماء النبع.
انضمام الأعضاء الجدد إلى الديانة الميثرائية يجري ضمن طقوس وتعاليم تركز على بناء الإنسان الصالح. وحتى يتمكن الشخص من الإنضمام إلى (الأخوة) يتطلب اجتياز ثلاث درجات مهمة وهي:

  • العمل على النّقاء الروحي و الخُلُقي الذاتي
  • بناء القوة الفكرية
  • التّحكم في الطبيعة الحيوانية.

بعد اجتياز هذه المراحل يتم الترحيب بالمُنتسب الجديد وكأنه ولِدَ من جديد ليصبح “بير”(طبقة رجال الدين). عندها يتم تلقينه التعاليم السرية للديانة، طبعاً بعد تعميده بالماء وتسليمه حبة (البراة).
هناك سبع مراتب في الدين الميثرائي، وترمز كل مرتبة إلى كوكب من الأجرام السماوية السياة وهي:
1- بير بمرتبة الغراب يقابل كوكب العطارد.
2- بير بمرتبة كريف (الأخ الغير شقيق) يقابل كوكب الزهرة.
3- بير بمرتبة سرباز -الجندي يقابل كوكب المريخ.
4- بير بمرتبة أسد يقابل كوكب المشتري .
5- بير بمرتبة بارسي(المعتكف عن الزواج- راهب) يقابل القمر.
6- بير بمرتبة بيرسك خورشيد(رسول الشمس) يقابل الشمس.
7- بير بمرتبة بابير(الجد) أو الأب الكبير يقابل كوكب الزحل، ويعتبر البابير كبير المعبد.

واذا ما أراد شخص الدخول في صف البراة (الأخوة) يتم تسليمه أداة القسم الأخوية (براة) وليصبح أحد أفراد الأبيار السبعة، ويبدأ بتلقي الأسرار وحفظها.